الجدلية العقلانية في التحليل النفسي17من اصل17
وهذا لا يدعو إلى الغرابة لمن يراقب الأطفال ما بين الشهر السادس والشهر الثاني عشر، فإذا ما ضرب الطفل طفلًا آخر يبكي كما لو ضرب هو، وإذا ما اعتدى على أحدهم يبكي كما لو كان قد اعتدى عليه، فهذا يشير إلى أن الطفل لا يميز بين صورته وصورة الآخر التي التقطته وأصبح مرهونًا بها. ويتساءل لاكان: ماذا دهى بالطفل لكي يؤخذ بهذه الصورة التي يصادفها في المرآة والتي تلازمه مدى الحياة؟ يجيب، بأن الطفل عندما يلتقي بصورته في المرآة يشعر لأول مرة بالغرابة، محاولًا لمسها وتحديد معالمها كما لو كانت آخرًا، وسريعًا ما يعمد إلى اللعب بهذه الصورة: يتحرك تتحرك أمامه، يخفيها كما يظهرها، يضحك لها، يداعبها، ثم يكيلها ضربًا، إلى أن يتمكن من السيطرة عليها، سيما بعد أن يأتيه اعتراف من آخر بجانبه (أمه أو قريب له) بأن هذا أنت.
تجاه هذا اللقاء، واكتشافه لصورته، تظهر عنده غبطة ونشوة كبيرتان، يهلل لصورته بمجرد أن تتراءى أمامه. فيصبح مأخوذًا بها، يشير إليها كطرف ثالث يعرف عنها باسمه. وتصبح هذه الصورة المثال المتكامل الذي يرنو إليه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الواقع الدراماتيكي الذي يتخبط به الطفل في مثل هذا السن نظرًا لعدم اكتمال نموه: فهو يعيش في حالة تجزؤ جسدي: لا يقوى عصبيًّا على السيطرة على جسده وأطرافه، فكل جزء بجسده لا يدرك وحدته، سيما أنه لا يقوى على المشي والسيطرة على تحركاته. وتأتي هذه الصورة لكي تحقق بتكاملها ما كان ينقصه ويتخبط به في واقعه، فنضوج نظره يجعل لهذه الصورة سابقة لمثال متكامل يسبق وحدته الفعلية، ونضوجه الجسدي والعصبي، والفارق ما بين الشكل التصوري، وما بين واقع التجزؤ الجسدي، يبقى يرافقه طيلة حياته كمثال يرنو للوصول إليه، لتحقيقه، على اعتبار أنه النواة المكونة للأنا المثالي. وينتج من هذا الفرق (ما بين الصورة المتكاملة الموحدة في المرآة والموقع الجسدي المجزأ) عمليتان مهمتان: الأولى، يميز فيها الطفل في هذه الصورة وجوده ككائن يتحدد بالنسبة للآخر،