المسألة العنصرية ومفهوم “العرق التاريخي” 2من اصل3
أي الذي يتشكل عبر التاريخ من خلال انصهار عناصر شعب ما ببعضها البعض تدريجيًّا. فبما أنه لا يؤسس فكرة العرق على العوامل الشكلية أو الفيزيولوجية، فإنه راح يؤسسها على عوامل الثقافة والتراث المشترك لشعب ما. وهي لا تستبعد “التراكمات الوراثية” من ساحتها. لماذا؟ لأن مفهوم “اللاوعي الجماعي” الذي يركز عليه لوبون والذي يستمد منه شعب ما الأسباب اللاواعية لأعماله مشكل بالضبط من هذه التراكمات الوراثية. إنه مركب منها كما تتركب الأرض من الطبقات الجيولوجية المتراصة فوق بعضها البعض. وأحيانًا يدعو لوبون بنية اللاوعي الجماعي بالتكوين العقلي للشعوب. والشيء الذي يتحكم بهذا اللاوعي أو بذلك التكوين العقلي هو ما يدعوه “بالعرق التاريخي”. ويعرفه على الشكل التالي:
“عندما تخضع شعوب من نفس الأصل أو تنتمي إلى أصول مختلفة ولكن غير متباعدة جدًا لنفس العقائد والمؤسسات والقوانين طيلة قرون عديدة فإنها تشكل عندئذ ما كنت قد دعوته في مكان آخر “بالعرق التاريخي”. وعندئذ يمتلك هذا العرق نظامًا أخلاقيًّا وحتى دينيًّا وسياسيًّا مركبًا من مجموعة من المواضيع والأفكار والعواطف المشتركة التي هي منغرسة في النفوس إلى الحد الذي تقبل فيه دون نقاش”(13).
هكذا نجد أن مفهوم العرق التاريخي لدى غوستاف لوبون أقرب إلى مفهوم الأمة أو الشعب منه إلى مفهوم العرق بالمعنى العنصري للكلمة، أي بالمعنى البيولوجي والفيزيولوجي. إنه يختلف مثلًا عن مفهوم العرق السائد في القرن الثامن عشر والذي كان يعني “جماعة عرقية تتمايز عن الجماعات الأخرى بواسطة جملة من الخصائص الجسدية الموروثة والتي تمثل فرادة وخصوصية داخل النوع البشري”.
والدليل على عدم عنصريته بالمعنى النازي للكلمة هو أنه لا يعتقد بدوام الحضارة في شعب ما أو عنصر ما. فالتاريخ يعلمنا أن مسار الحضارة دائري، فهي تنتقل من منطقة إلى منطقة، ومن شعب إلى شعب. هذا في حين أن العنصريين الحقيقيين يعتقدون بأن هناك شعوبًا خلقت أزليًّا لصنع الحضارة، وشعوبًا أخرى خلقت للبربرية والهمجية إلى أبد الدهر. فغوستاف لوبون مثلا لا يستبعد ظهور حضارة “للزنوج” في المستقبل،