شهادة واعتراف 3من اصل3
وأعتقد أن هنالك طريقين لاختيار الخير. فالطريق الأول هو طريق أداء الواجب والخضوع والانقياد للأوامر الأخلاقية. ويمكن أن يؤدي هذا الطريق إلى الهدف، على أنه ينبغي ألا ينسى المرء أن أقلية قليلة ربما استطاعت في آلاف السنين أن تلتزم بالوصايا العشر. وارتكب ناس أكثر بكثير حرماً حين عرضها عليهم الحكام وأولو القوة والسلطان وفرضوها أوامر. وتنحصر الإمكانية الأخرى في أن استمرئ فعل الخير والحق وأنمي الإحساس بأن هذا يثلج صدر إنسان آخر. ولا أعني بذلك اللذة بمفهوم بينثام أو فرويد، بل الإحساس بحيوية متزايدة تقوى بها قواي وهويتي.
وأعتقد أن التربية تعني أن يعرف المرء الشباب بأفضل ما تركته الإنسانية له. ومع أن معظم هذا الإرث أو هذه التركة قد نقل في كلمات فلا يمكن أن يكون فعالاً إلا إذا أصبحت هذه الكلمات واقعاً وحقيقة في شخص المعلم وفي عمل المجتمع وبنيته. إن الفكرة التي “تتجسد” تستطيع وحدها أن تؤثر في الإنسان، أما الفكرة التي تبقى كلمة فلا تستطيع أن تغير إلا الكلمات.
وأعتقد بقدرة الإنسان على الكمال. وأفهم من هذا أن الإنسان يستطيع بلوغ هدفه، على أنه يجب عليه ألا يبلغه. وحين لا يريد شخص ما أن يختار الحياة، وعلى هذا لا يستمر في النمو والتطور يصبح حتماً هداماً وجثة حية. إن الشر وفقدان الذات واقعيان مثل الخير والحيوية. وهما الإمكانيات الثانوية للإنسان حين لا يختار إمكانياته الأولية.
وأعتقد أن الإنسان لم يولد قديساً أو مجرماً إلا بصورة استثنائية شاذة. إن لدى الأكثرية منا الاستعداد للخير والشر على سواء، مع أن أهميته ووزنه الخاصين يختلفان من إنسان إلى إنسان. وعلى هذا فإن مصيرنا يتحدد إلى حد كبير بتلك التأثيرات التي تشكل الاستعدادات الموجودة. وأهم التأثيرات تأثير الأسرة. على أن الأسرة نفسها ليست إلا “وكالة المجتمع” وسير نقل الحركة للقيم والمعايير التي يريد مجتمع ما أن يطبع بها أفراده. ولهذا السبب فإن بنية المجتمع وقيمه التي ولد فيها إنسان ما هي أهم العوامل لتطوره.
وأعتقد أن المجتمع يستطيع أن يشجع الفرد ويعوقه في آن واحد.