أفكار الجماهير 4من اصل4
وعندما تتوصل فكرة ما بواسطة مجريات متعددة إلى الانغراس في روح الجماهير فإنها تكتسب قوة لا تقاوم وينتج عنها سلسلة من الانعكاسات والنتائج. فالأفكار الفلسفية التي أدت إلى الثورة الفرنسية أخذت وقتًا طويلًا قبل أن تنغرس في الروح الشعبية. ونحن نعلم مدى قوتها التي لا تقاوم بعدما استقرت في النفوس. لقد أدت إلى انتفاضة شعب بأسره من أجل التوصل إلى العدالة الاجتماعية، ومن أجل إنجاز الحقوق المجردة والحريات المثالية إلى زعزعة كل العروش، وقلبت بعمق كل العالم الغربي. وخلال عشرين سنة راحت الشعوب تهجم على بعضها البعض، وشهدت أوروبا مجازر تشبه تلك التي حصلت على يد جنكيز خان وتيمور لنك. وهكذا لم يحصل في أي يوم من الأيام أن اتخذت فيه الأفكار مثل هذه الأهمية ومدى قدرتها على تغيير وجهة العواطف إذا ما جيشت وعبئت.
وإذا كان يلزم وقت طويل لكي تترسخ الأفكار في نفوس الجماهير، فإنه يلزم وقت لا يقل عنه طولًا لكي تخرج منها. وهكذا نجد من وجهة النظر الفكرية أن الجماهير متأخرة عن العلماء والفلاسفة بعدة أجيال. وكل رجالات الدولة السياسيين يعرفون اليوم ما الذي تشتمل عليه الأفكار السياسية المذكورة آنفًا من أخطاء. ولكن بما أن تأثيرها على النفوس لا يزال قويًّا حتى الآن، فإنهم مضطرون للحكم بموجبها على الرغم من أنهم انفكوا عن الاقتناع بحقيقتها.