اللاشعور الاجتماعي 33من اصل33
لكن لو أدرك كثيرون من الناس مثل هذه العواطف والأحاسيس وعرفوها لكان هنالك خطر أنهم سيتصرفون أيضاً تبعاً لعواطفهم وأحاسيسهم. ولكن إلام سيصير اقتصادنا الذي يقوم على استهلاك لا رادع له؛ أو إن في إمكاننا السؤال أيضاً ‘ما إذا افتقر معظم الناس في الحقيقة إلى فكر طبيعي بحيث يفطنون إلى أن كثيرين من قادتهم السياسيين يؤدون مهماتهم أداءً غير كاف وواف- بصرف النظر عن الطريقة التي وصل بها هؤلاء إلى القمة. ولكن إلام سيصير التماسك والتعاون الاجتماعيان لو أن أكثر من أقلية قليلة. أدركت مثل هذه الحقائق؟ ألا يحدث في الحياة الواقعية ذات الشيء الذي يحدث في حكاية أندرسون عن ثياب القيصر الجديدة؟ ومع أن القيصر عار فلا يفطن ولا ينتبه إلى ذلك إلا طفل صغير مع أن الآخرين كلهم على يقين من أن القيصر يلبس ثياباً فاخرة بهية.
وينتج عن لا عقلانية كل مجتمع أنه يجب على أفراده أن يكبتوا كثيراً من عواطفهم وأحاسيسهم وملاحظاتهم ويزيحوها من شعورهم. وتتعاظم هذه الضرورة كلما قل تمثيل مجتمع من المجتمعات لأفراده كلهم. فالمجتمع اليوناني لم يدع ولم يزعم أنه خدم مصالح الشعب كله. وحتى بالنسبة لأرسطو لم يكن العبيد بشراً مستقلين بأنفسهم، وعلى هذا لم يكن على موفوري الحال ولا على العبيد أن يكبتوا الكثير من هذا الجانب. أما بالنسبة لمجتمعات تدعي أنها تعني برخاء الجميع ويسرهم فتواجههم هذه المشكلة حين يتوانون عنها. وفي أثناء تاريخ الإنسانية كله، باستثناء بعض المجتمعات البدائية. لم تكن المائدة ممدودة دائماً إلا لقلة قليلة، ولم تنل الأكثرية العظمى إلا الفتات المتبقي. فلو أدركت الأغلبية هذه الحقيقة، كل الإدراك، حقيقة أنها انخدعت، لكان من الممكن أن ينمو وينشأ عندها سخط ولكان هذا السخط هدد النظام القائم. وعلى هذا كان لابد أن تكبت مثل هذه الأفكار وتقمع؛ والذي لم تتم عندهم عملية الكبت هذه كانوا في خطر أن يفقدوا حياتهم وحريتهم.
ويتجلى التحول الثوري في عصرنا في أن عيون كل شعوب الأرض تفتحت فجأة واستشعرت رغبتها في أن تعيش حياة كريمة مضمونة من الناحية المادية وأن الإنسان اكتشف الوسائل الفنية لتحقيق هذه الرغبة.