بناء الذاكرة
1 من أصل 2
كما رأينا في أعمال بارتليت، ليست الذاكرة نسخة حقيقية من العالم، على عكس أقراص الفيديو الرقمية أو التسجيل المرئي. ربما يكون الأكثر فائدة هو التفكير في الذاكرة بصفتها تأثير العالم على الفرد. وفي واقع الأمر، يصف «المنهج البنائي» الذاكرة بأنها مزيج من مؤثرات العالم وأفكار المرء الخاصة وتوقعاته. مثلا: ستكون تجربة كل شخص خلال مشاهدته فيلما مختلفةً إلى حد ما؛ لأن كل فرد مختلف عن الآخر، ويعتمد على أحداث ماضية شخصية مختلفة، وله قيم وأفكار وأهداف ومشاعر وتوقعات وحالات مزاجية وتجارب سابقة مختلفة. وربما يكونون قد جلسوا بعضهم إلى جوار بعض في قاعة السينما، ولكن من الجوانب المهمة أنهم وجهوا فعلياً بفيلمين مختلفين وفقا لاختلاف مشاعرهم وأفكارهم. وهكذا فإن من يبين الحدث، وقت وقوعه، هو الشخص الذي مر به. ويتأثر هذا البناء كثيرا بـ «حدث» الذاكرة (في هذه الحالة عرض الفيلم)، ولكنه يكون أيضا نتاج السمات الفردية والطبائع الشخصية لكل شخص (والتي تلعب جميعها دورا أساسيا في كيفية خوض الحدث، و«تشفريه» ثم «تخزينه».
وفيما بعد، عندما نحاول تذكر هذا الحدث، تتداعى بسهولة إلى عقولنا بعض أجزاء الفيلم، في حين
أننا قد نعيد بناء أجزاء أخرى، حسب الأجزاء التي نتذكرها وما نعرف أو نعتقد أنها قد حدثت. (ومن المحتمل أن يُتنبأ بالحالة الثانية وفقً ا لعملياتنا الاستنتاجية عن العالم، ممزوجة بعناصر الفيلم التي نتذكرها.) في حقيقة الأمر، نحن نجيد هذا النوع من إعادة البناء (أو «ملء الفراغات») لدرجة أننا غالبًا لا نعي عمدا أنه قد حدث. ويبدو هذا محتمل الحدوث بصفة خاصة عندما تُحكى ذكرى ما مراراً وتكراراً، مع وجود تأثيرات مختلفة في كل مرة يتم استرجاعها فيها (انظر الإشارة إلى تقنيتَي بارتليت عن إعادة الإنتاج المتسلسل والمتكرر المستشهد بهما في الجزء الوارد لاحقا تحت عنوان «حرب الأشباح»).