استلاب الذات في الأنا
6من اصل6
مأساة الفعل هي أنه قد يلبي حاجاته عبر الطلب، إلا أنه يبقى غامضًا بما يختص نقصانه()، وكلما تطور في امتلاك التعبير الكلامي كلما أدرك الفراغ في الآخر الذي يوجه إليه الطلب، اعتبار أن ما يختص بنقصانه لا يستطيع الآخر إلا أن يجيبه بصمت نابع من نقصان في ذاته. فالأم مثلًا لا تستطيع أن تلبي كل طلبات الطفل، مما يجعله يدرك أنها ليست مطلقة في قدرتها، فيتبدد عنده وهم كان مأخوذًا به سابقًا.
البنية الذاتية تنطلق كما قلنا من مرحلة المرآة (أي اكتشاف الطفل لصورته) في الوهلة الأولى يعتبر أنها آخر، يداعبها كما يداعب طفلًا شبيهه: يبكي إذا بكى، ويضحك إذا ضحك، ويحاول أن يسيطر عليها، يغيب الصورة ويحضرها، بغية امتلاكها والتحكم بها. وهنا لا بد من تدخل الآخر (الأم) للتعريف عنها: فهي صورة مرئية تعرف عنه، فينسلب ويتماهى بها. ولا يتم ذلك إلا بواسطة الآخر، وعبر الآخر: تصبح نظراته هي المعرف المتبادل عن وجوده فعندما يعرف أن الآخر قد عرفه، معنى ذلك أنه تم الاعتراف بهذه الصورة التي تشكل ذاته.
فالطفل لا يدرك صورته إلا عن طريق إدراك الآخر لها بأنها تجسده عبر نطاقه. فهذه الصورة التي تشملها النظرة في حالة متكاملة لتكوينه هي النقيض بعد السيطرة على حركاته، لأنه لم يبلغ النضوج العصبي اللازم. وهذا ما فسرناه سابقًا.
تعود أهمية هذه المرحلة إلى كونها تولد عند الطفل صورة برانية مثالية مرئية، لذات ناقصة لم تكتمل بعد في الداخل. فهي إذًا حدث مسبق، يسبق نضوجه الفيزيولوجي، ويجعل من تطلعاته المستقبلية أملًا في تحقيقها. وهذا الفارق ما بين الصورة المرئية البرانية، والصورة الجوانية المتفتتة والغائضة في الفوضى، يبقى مستمرًا، ويوظفه في كل المثالات التي يتمنى أن ترقى إليها الذات فيما بعد.