زي اللغة!
4 من أصل 4
والمشابهة بين المريض وبين الكاتب كبيرة، فإن الكاتب يضيق بأفكاره حتى يبوح بها ويدونها في كتاب أو مقالة أو قصة؛ لأن هذا التدوين يحمله على شرحها وترتيبها بالكلمة والمعنى، فيذهب عنه الكظم، ومن هنا إحساسه بأنه يحمل رسالة كأنه نبي، وفي هذا الإحساس جنون حسن؛ إذ هو يكسبه وهمًا بأنه عظيم، فيرتفع بقوة هذا الإيحاء، إيحاء العظمة، ثم هو لذلك لا يطيق أن تقيد حرية الرأي، وكثيرًا ما يضحي بكل مصالحه الأخرى من أجل هذه الحرية.
والمريض كذلك، يحس أنه يكظم مخاوفه أو شكوكه، فهو حين نطلب منه أن يقعد في خلوة ويكتب شارحًا هذه المخاوف إنما نحيله إلى أديب، يحاول بالكلمات، أن يشرح كارثته، وأن يتعقلها باللغة؛ لأن كلمات اللغة هي أدوات للتعقل، وهو بهذا الشرح يفرج عن كظمه من ناحية، وأيضًا يوضح مشكلته بالكلمات؛ أي: بالمنطق، من ناحية أخرى، فيستريح.
واعتقادي أن دراسة اللغة، من ناحية القيمة السيكلوجية، لم تأخذ إلى الآن حقها، وإن كانت السيمائية قد فتحت لنا هذا الباب.