طبيعة الوهم
3من اصل3
يبدو الأمر كما لو أن منطقة ما من العقل كانت تعمل باستمرار على حل المشكلة وتوصلت إلى حلها بمفردها.
استكشفت أيضا بعض التجارب العلمية مشكلات خاصة شديدة التعقيد، لم يكن من الممكن حلها باستخدام التفكير المنطقي، غير أنه تم حلها. إن تلك المشكلات تتطلب شيئا آخر، شيئا يمكن أن نطلق عليه الحدس؛ ففي دراسة شهيرة، لعب المشاركون لعبة كمبيوتر تحاكي إنتاج السكر في أحد المصانع، واستطاعوا أن يتحكموا في متغيرات مثل عدد العمال وأجورهم، لكن لم تكن لديهم فكرة عن المعادلات التي تعتمد عليها عملية المحاكاة، وبسرعة كبيرة تحسنت قدرتهم على تثبيت إنتاج السكر، لكن لم تكن لديهم أي فكرة عن كيفية قيامهم بهذا. في واقع الأمر، إن هؤلاء الذين اعتقدوا أنهم كانوا يعرفون ما كانوا يفعلونه عادة كان أداؤهم أسوأ في المهمة من هؤلاء الذين لم يكونوا كذلك.
يحدث شيء مماثل ربما طوال الوقت في عوالمنا الاجتماعية العالية التعقيد؛ فنحن عندما نقابل شخصا جديدا، نرى وجهه وملابسه ولمحاته، ونسمع صوته ونحكم عليه
سريعا بأنه ودود أو بارد عاطفيا، وبأنه يمكن الوثوق به أو أنه مريب، ذكي أو غبي،
لكن كيف ذلك؟ إلى جانب كل قدراتنا الفطرية، لدينا تاريخ تكون على مدى حياتنا من مقابلة الناس ومعرفة كيف كان حالهم؛ صحيح أننا ربما لا يمكننا تذكر كل هذا التاريخ على نحو صريح، أو تحديد المعادلات التي تعطينا كل الاحتمالات ذات الصلة، لكن هناك مكانا ما في النظام يحدث فيه كل هذا، وينتهي بنا الحال بإصدار أحكام يمكن الاعتماد عليها.
إن هذا النوع من المعالجة الضمنية يفسر كثيرا مما نسميه عملية اتخاذ القرار الانفعالية، أو الحدس؛ حيث إننا لا نعرف من أين تأتي الحلول، فقط يبدو أننا نشعر بالحل الصحيح أو “نعرف” ما يجب علينا فعله، هذه مهارات مهمة عادة ما يتم تجاهلها. تاريخيا، أعجب العديد من المفكرين بالعقلانية على حساب المشاعر؛ أي تغليب التفكير العقلاني الصرف على أي شيء آخر، والفصل بين المنطق العقلاني والجسد؛