كيف تؤثّر في السياسة العالمية ؟
قد يستغرب الكثير حين يقال لهم أنّه بامكان الفرد أن يؤثّر في السياسة العالمية فيكون الردّ كيف لشخص بمفرده أن يؤثّر في الدّول وهيكل العلاقات بين الدول؟ وكيف لفرد أن يؤثّر في الموقف الدّوليّ؟ وقبل الاجابة على السّؤال لا بدّ من توضيح حول العقليّة التّي يجب أن يتحلى بها السياسيّ الذّي يعمل على التّاثير في السياسة العالميّة. وهو أنّ المتتبع للأعمال السياسيّة والعلاقات الدوليّة والسّياسة العالميّة لايصحّ له أن يتتبعها قصد التّرف الفكريّ وزيادة المعلومات والمتعة العقليّة بل لابدّ أن يؤمن بأنّ تتبّعه للسياسة العالميّة إنّما هو من أجل رعاية شؤون العالم وصد التّأثير فيه وفق وجهة النّظر التّي يحملها. ولا يمكن للسياسيّ مهما بلغت قدرته على التّحليل ومهما بلغ عمقه في التّفكير أن يؤثّر في السياسة العالميّة لو اكتفى بالمتابعة والفهم فقط. كما أنّه على السّياسيّ أن يعمل على التّأثير في السياسة العالميّة دون اعتبار فرديّته وسيأتي التّفصيل في ذلك.
العمل على التأثير في السياسة العالميّة دون اعتبار الفرديّة
إنّ السياسيّ المؤثّر المدرك لحقيقة التّغيير والذّي يعمل على التّاثير الفعليّ في السياسة العالميّة هو السياسيّ الذّي يتجاوز فرديّته بالعمل على مستوى أكبر شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى التّاثير في السياسة العالميّة ويكون ذلك أوّلا بالعمل على بناء الكتلة التّي تحمل رأيه وتتبناه فإن نجح في ذلك ينتقل بهذه الكتلة إلى المجتمع ويطرق بابه ويعمل على ايجاد الرّاي العام على فكرته مما يضمن له التّأثير في الدّولة التّي يعيش فيها من ناحية سياستها الخارجيّة، وهذا التّأثير يترتّب عليه تغيير وتنقيح في العلاقات مع الدّول الأخرى فيمكن أن تنشأ بهذا التّاثير معاملات جديدة وتوجد مصالح مشتركة مع دول وتفتر علاقات أخرى. وكلّما زاد التأثير في المجتمع زاد قدرتك على تغيير السياسة الخارجيّة للدولة فإن قوي رأيك في المجتمع مما يمكّنك من استلام الحكم فيها فيصبح من التّأثير في العلاقات بين الدول تأثيرا مباشرا.
صفات السياسي التّي يتمكّن من التّأثير في السياسة العالميّة
إنّ من صفات السياسي الذّي يتمتّع بالقدرة على التأثير في السياسة العالميّة هي العمق والاستنارة في التّفكير أي القدرة على البحث في أصل الأحداث وأصل نشوء العلاقات وأسس المصالح وربطها بمتعلّقاتها أي بما قبلها وما بعدها. كما أنّ من صفاته سرعة البديهة أي أنّه يتمتع بقوة فائقة وقدرات ذهنية عالية تمكّنه من سرعة الرّبط بين الوقائع والأحداث وبين المعلومات. ومن أهمّ الأوصاف التي يمتاز بها هي الاحساس المرهف الذي يمكّنه من تحسّس المشاكل وتوقّع مجريات الأحداث قبل وقوعها وذلك من خلال التّفطّن لمؤشّرات ودوافع نشوء المشاكل وهو الأمر الذي يفتقده أغلب السياسيّين الموجودين.
بناء العقليّة الواعية التّي تمكّن من التأثير في السياسة العالميّة
تبنى العقلية السياسية الواعيّة على أمرين هما: أوّلا المعلومات الكافية التّي تمكّن من تفسير الواقع والقيام بعمليّة الرّبط وثانيا الاحاطة بالواقع احاطة تامّة. أمّا الأول فيكون من خلال الاستزادة بالمعلومات قدر الامكان (تاريخ، الجغرافيا، الأحداث البارزة، الشخصيات المؤثّرة، طبيعة الشّعوب…) وهي اللبنة الأولى في بناء العقليّة السياسيّة الواعية فكلّما كانت المعلومات أكثر وأدقّ كلّما كانت هناك قابليّة فهم الواقع بشكل أعمّ وأشمل. أمّا الأمر الثاني فيكون من خلال دراسة الأحداث وربطها بما هو محليّ وما هو اقليميّ وعالميّ وتتبّع ما هو صراع حزبي وفئويّ في الوسط السياسيّ وتتبّع التحرّكات السياسيّة الفرديّة والجماعيّة. بعد ذلك يأتي الرّبط بين الأمر الأوّل والثاني للوصول إلى الحكم الأرجح على الواقع واتّخاذ الموقف الغالب على الظنّ تجاه الأمر الذّي يبحث فيه.