لكل منا ماثلته
3 من أصل3
وقولنا إنه “يريد” ليس صحيحًا؛ لأن الإرادة هنا تعني الوجدان؛ أي إنه يدري ما يفعل، ولكن هذه الخيالات تتسلل إلينا كأنها أحلام، فلا ندري بها إلا قليلًا، ولكننا مع ذلك نندفع بها إلى النشاط والطموح، وهي تعين لنا أهدافنا في الحياة وتوجه سلوكنا.
وأحلام اليقظة التي نستسلم لها وقت الفتور أو الغفوة تبين لكل منا ماثلته؛ فقد نرتاح بعد الغداء ويغمرنا الكسل والتثاؤب، فيندفع أحدنا، وهو رجل متواضع في الواقع، إلى خيالات باهظة مسرفة كأنه قائد عظيم أو عالم أو ثري يملك يختًا خاصٍّا، ويجول به حول العالم … إلخ.
وخلاصة القول أن حياة الخيال تختلف كثيرًا عن حياة الواقع، وهي تقوم على أن لكل فرد منا ماثلته التي تكونت في مخيلته منذ كان طفلًا، وهي تحيا معه طوال عمره، وهي قد تمس الواقع أو لا تمسه، ولكنها مع ذلك تبعثنا من خلف الوجدان إلى النشاط والطموح والعمل.
وأحيانًا يكون الانفصال عظيمًا بين الواقع والخيال، والمسافة بينهما ليست عظيمة فقط، بل شاسعة، ولكن قد يتسلط هذا الخيال بقوة مرغمة؛ وخاصة إذا كان الواقع سيئًا لا يطاق، وعندئذ يكون الجنون، أو على الأقل الشذوذ.
وهنا أذكر قصة وضعها كاتب روسي عن امرأة كانت تكسب عيشها بكنس البيوت وغسل الملابس، ولكنها كانت تستأجر أحد الطلبة كي يكتب إليها على لسان محب عاشق ولهان خطابًا غراميٍّا، وتأخذ هي الخطاب وتكتب عنوانها على الظرف وتلقيه في صندوق البريد، فإذا كان اليوم الثانى تسلمته من الساعي وفتحته وجعلت أحد الجيران يقرءه لها.