هل يمكننا الاستغناء عن القادة؟
2من اصل3
في الواقع، تقوم العديد من مجتمعات الصيد والجمع- مثل مجتمع الهادزا بتنزانيا- من دون وجود قائد واحد رسمي، حيث توزع مهام القيادة لكي يتمكن أي فرد من “قيادة” رحلة الصيد أو اقتراح الانتقال إلى منطقة جديدة وهكذا. وتتبنى مثل هذه المجتمعات القائمة على الصيد والجمع أنظمة قيادة رسمية فقط حين تقهرها القوى الاستعمارية، كما فعلت عدة قبائل من قبائل الهنود الحمر في القارة الأمريكية على سبيل المثال. لكن حتى تلك الثقافات القائمة بلا قادة ممنهجين وفقًا لنظام محدد لا تزال تحتفظ بعناصر القيادة؛ فقبيلة كومانتشي- على الرغم من أنها تمثل أكثر ثقافات الهنود الحمر في القارة الأمريكية تنقلًا ومعارضةً للاستبداد- اتخذت قادة مؤقتين في حالات الحرب أو الصيد أو حين كان يتطلب دينهم ذلك. وعلى نحو مماثل، فإن قبائل النوير كانت تتبع ما وصفه عالم الإنسانيات إيفانز-بريتشارد بنظام “التجزئة” حيث يجتمع خليط متنقل من الجماعات القائمة على الأسر باستمرار مع جماعات أسرية أخرى ويعيد ترتيب نفسه، ولكن من دون وجود قيادة نظامية منهجية.
وتعد مثل هذه المظاهر المحدودة للقيادة أكثر ندرة في الغرب. وعند انتقالنا من مجتمعات الصيد والجمع، مرورًا بما يسمى “عصر أمراء الحرب” (تقريبًا من نهاية عصر الجليد الأخير وحتى الحقبة الصناعية) وما ارتبط بذلك من تطور المجتمعات الزراعية المستقرة إلى مجتمعات صناعية واسعة النطاق، من الواضح أن شكل القيادة تغير حتى إن الأشكال المؤسسية والإدارية الخاصة بالديمقراطية والبيروقراطية استعاضت عن أنظمة أمراء الحرب بشبكات مؤقتة من القادة السياسيين والتجاريين والثقافيين والعسكريين الذين يعكسون الذكورية الصرفة لعصر أمراء الحرب حسبما يدعي الكثيرون.
ومع ذلك، في القرن الحادي والعشرين، حين سادت المشكلات المستعصية على ما يبدو، كان من الأفضل أن يلجأ العالم إلى القيادة التعاونية التي استعاضت عن أمراء حرب القرن العشرين بأنظمة حكم أكثر ملاءمة لأولئك الذين يقاسون عادة من تصرفات أمراء الحرب.