المجتمع البشري يحتاج إلى قدمين ليمشي عليهما

المجتمع البشري يحتاج إلى قدمين ليمشي عليهما

المجتمع البشري يحتاج إلى قدمين ليمشي عليهما
المجتمع البشري يحتاج إلى قدمين ليمشي عليهما

ذكرنا في الفصل الأول أن المجتمع البشري يحتاج إلى قدمين ليمشي عليهما. وهاتان القدمان هما عبارة عن جبهتين متضادتين ومن الصعب على المجتمع أن يتحرك بقدم واحدة. ولو درسنا أي مجتمع متحرك لوجدنا فيه جماعتين تتنازعان على السيطرة فيه. فهناك جماعة المحافظين الذين يريدون إبقاء كل قديم على قدمه وهم يؤمنون أن ليس في الإمكان أبدع مما كان. ونجد إزاء هذه الجماعة جماعة أخرى معاكسة لها هي تلك التي تدعو إلى التغيير والتجديد وتؤمن أنها تستطيع أن تأتي بما لم يأت به الأوائل. من الضروري وجود هاتين الجماعتين في كل مجتمع. فالمجددون يسبقون الزمن ويهيئون المجتمع له. وخلو المجتمع منهم قد يؤدي إلى انهياره تحت وطأة الظروف المستجدة. أما المحافظون فدأبهم تجميد المجتمع وهم بذلك يؤدون للمجتمع خدمة كبرى من حيث لايشعرون. إنهم حماة الأمن والنظام العام, ولولاهم لانهار المجتمع تحت وطأة الضربات التي يكيلها له المجددون الثائرون. قدم تثبت المجتمع وأخرى تدفعه. والسير لايتم إلا إذا تفاعلت فيه قوى السكون والحركة معاً. والمجتمع الذي تسوده قوى المحافظين يتعفن كالماء الراكد. أما المجتمع الذي تسوده قوى المجددين فيتمرد كالطوفان حيث يجتاز الحدود والسدود ويهلك الحرث والنسل. والمجتمع الصالح ذلك الذي يتحرك بهدوء فلا يتعفن ولايطغى, إذ تتوازن فيه قوى المحافظة والتجديد فلا تطغى إحداهما على الأخرى. إن المحافظين يدعون دوماً إلى صيانة التماسك الاجتماعي. وهم يقدّسون وحدة الجماعة ويكفّرون من يشق عصا الطاعة عليها، أما المجددون فيدعون من جانبهم إلى التطور أو الثورة ولا يبالون بوحدة الجماعة بمقدار ما يبالون بالتكيف أو التقدم. هما رأيان متناقضان. والحق في جانب كل منها في آن واحد.. إنهما يمثلان الوجهتين المتلازمتين للحقيقة الاجتماعية أو بعبارة أخرى: إنهما يمثلان القدمين اللتين يسير بهما المجتمع إلى الأمام جيلاً بعد جيل.

علي الوردي

m2pack.biz