الجيش والشعب… إيد واحدة؟
بقلم: هيثم عبد الغنى
ترددت كثيرا قبل الكتابة هذه المرة وكنت أنوى عدم الكتابة بسبب ما يحدث على كافة الأصعدة. فللأسف بعد أن قلنا إنها ثورة وبنينا أحلاما وردية عن الازدهار والبناء والنمو والأخلاق صدمني الواقع بوجود الكثيرين الذين يبطنون ما لا يعلنون وأصحاب الأقنعة ممن يحاولون تشويه صورة الثورة مع أنهم يعلمون حقائق الأمور ولكنهم يخلطون الأوراق لأهداف شخصية، ويموعون الأمور والحقائق، فتصبح في النهاية الصورة ضابية وغير واضحة.
نبهت في سابقة إلى خطورة من يحاولون القضاء على الثورة عن طريق عدم استقرار الأمن و الحصار الاقتصادي، إذا صح التعبير، وإلصاق هاتين المشكلتين بالثورة وكأنها هي السبب فيهما، ولكنني لم أكن أتوقع أن يكون فكر هذه المجموعة يصل إلى حد إدخالنا في مشكلات أكبر وأزمات خارجية لا نستطيع في الوقت الحالي على الأقل الخوض في معاركها بغض النظر عن موقفنا منها، ويكون الهدف منها إلهاء الشعب عن مطالبه الحقيقية والحيد بالثورة عن طريقها، مما يؤدى إلى المماطلة وكسب مزيد من الوقت ووضع مطالب جديدة هي في الواقع قديمة فنعود إلى نقطة البداية، كالمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ وعودة الشرطة إلى الشارع بشكل فعال.
لم أكن أتخيل أن هناك من يكره مصر لهذه الدرجة فيدس بين طيات ثورة قضت على نظام ديكتاتوري استبدادي بسلميتها مجموعة من البلطجية لتشويه صورتها لنلعن اليوم الذي أتت إلينا فيه تلك الثورة ونرفضها ونهاجمها بشراسة وتنجح الثورة المضادة.
يجب أن نعلم أن هناك الكثير من المستفيدين من حالة الفوضى لأنهم لا يريدون أن تتم محاسبتهم على ما اقترفوه من أفعال واكتسبوه من أموال، فنجاح الثورة بالنسبة لهم أو حتى تقدمها يعنى كارثة، لأنها تقترب من محاسبتهم.
فلو تابعنا تطور الأحداث بداية من معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية بنعم أو لا والذي كلف الدولة و حمل ميزانيتها الملايين، ثم انقلاب المجلس العسكري على الاستفتاء بعد يوم من إجرائه بدون سبب واضح، إلى جانب عمليات القبض على الكثير من الشباب بواسطة الشرطة العسكرية وتحويلهم لمحاكمات عسكرية وصدور أحكام قاسية بحق بعضهم، ثم المطالبة بمدنية المحاكمات، وانتهاك حرمات الفتيات بفحوصات كشف العذرية، يؤكد أن هناك تخبطا في القرارات وارتباكا في اتخاذها، بل أن ذلك دفع الكثيرين إلى التشكيك في نوايا المجلس سواء في موقفه من الثورة وهل هو معها أم ضدها من جانب، وموقفه من البقاء في الحكم وقبوله لإنهاء الحكم العسكري في مصر والتحول لدولة مدنية من جانب آخر.
إن المحاولات الأخيرة لتشويه صورة الثورة من جديد عن طريق إحداث شغب متعمد بمحيط السفارة الإسرائيلية ومديرية أمن الجيزة ووزارة الداخلية في توقيت واحد يتزامن مع جمعة كأطلق عليها (تصحيح المسار) للتأكيد على المطالب الرئيسية التي قامت عليها الثورة وهى عيش، حرية، عدالة اجتماعية، حد أقصى وحد أدنى للأجور، محاكمة ضابط الشرطة المتورطين في أحداث قتل المتظاهرين، إلغاء قانون الطوارئ .. يؤكد أن هناك أمرا ما غير طبيعي بل وخطط مدبرة تحاك في الخفاء ضد الثورة ولا نعرف عنها شيئا.
لقد تم استغلال مشاعر الغضب من انتهاك إسرائيل للحدود المصرية وقتلها للجنود المصريين الستة ورد الفعل المصري الذي لا يتناسب مع مستوى الحدث ولا مع التغيير المنشود لمصر بعد الثورة، فاستطاعت مجموعة مأجورة بمساعدة أنصاف المتعلمين ومحدودي الوعي، الذين استجابوا لدعاوى البطولات المزعومة، وإغراء أضواء الإعلام وإغواء الهدايا والمكافآت، أن يذهبوا إلى السفارة الإسرائيلية ويحطموا الجدار المشيد أمامها قبل أن يصعدوا لإنزال العلم بدون تفكير .. ودون تدخل من قوات الشرطة أو الجيش التي كانت متواجدة في مكان الأحداث، وكأن المقصود إلصاق تهمة الهمجية وعدم المسؤولية بالاحتجاجات والاعتصامات التي تحدث بين وقت وآخر في مظاهرات يوم الجمعة وللتذكير بمطالب الثورة، وأن هذه الأحداث ما هي إلا مقدمات لنفاجأ بالبيان الذي يبنى على خلفية تلك الأحداث تفعيل قانون الطوارئ لإرجاع هيبة الدولة .. وأنا استغرب وأتساءل عن سبب إثارة مسألة هيبة الدولة في البيان، لأنني أرى أن قتل العسكريين المصريين الستة برصاص الجيش الإسرائيلي عمدا، ينال من هيبة الدولة بأكثر مما ينال منها اقتحام بعض الشبان الغاضبين لمكاتب السفارة الإسرائيلية إن كانوا قد اقتحموها فعلا.
وأرى أنه كان يمكن للدولة المصرية إبداء أسفها كموقف رسمي لارتكاب بعض شبابنا خطأ بحق السفارة التي يفترض أن تتمتع بالحصانة حسب القوانين السارية ( مثلما أعربت إسرائيل عن أسفها لأحداث الحدود وقتل عساكرنا).. أعتقد أن العالم كان سيحترمنا أكثر إذا ما تمسكنا بالدفاع عن حقوقنا ولم نتهاون فيها، خصوصا أننى لا أستبعد وجود مخطط داخلي أو خارجي يستهدف إسقاط مصر وإحراجها أمام المجتمع الدولي سأتحدث عنه في مقالي بعد اكتمال أدلتي.
ومع افتراض حسن النية .. فلماذا إذا غاب الأمن عن حراسة السفارة الإسرائيلية أثناء المظاهرة، وبماذا تفسر انقضاضه بعد ذلك على المتظاهرين، وبماذا نفسر هذه المفارقة؟ ولماذا كل هذا الإسراف في البيان الرسمي في التنديد بالمتظاهرين والإجراءات التي اتخذها بعد ذلك من تفعيل قانون الطوارئ.
إن الذين وقفوا يوم جمعة تصحيح المسار 9 سبتمبر في ميدان التحرير كانوا يطالبون بإنهاء حالة الطوارئ والعزل السياسي لقيادات الحزب الوطني وعدم محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وسرعة تسليم الحكم إلى سلطة مدنية وتعديل معاهدة السلام.. بينما الذين خرجوا ليلا لاقتحام وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة والسفارة الإسرائيلية .. كانوا في واقع الأمر يعبرون عن أهداف هي النقيض من هذه المطالب. إن جمعة تصحيح المسار تحقق مصالح جهات خارجية بل معادية حتى لو لم تمد أياديها، وتلبى أهداف القوى المعادية للثورة وعلى رأسها المنتفعون من النظام السابق حتى لو كانوا قابعين في منازلهم.
ويمكن تلخيص المشكلة في أن هناك غموضا حول طبيعة المرحلة الانتقالية وعدم وضوح أهداف وطريقة إدارة المجلس العسكري للبلاد ولا نطاق المدة الزمنية التي ستستغرقها، والتي يتعين نقل السلطة في نهايتها إلى مؤسسات منتخبة ديمقراطيا.
لقد حدد المجلس العسكري هذه المرحلة في بدايتها بستة أشهر، ثم راح الوقت يمضى بطريقة سوف تؤدى عمليا إلى احتمال استمرار بقائه في السلطة حتى مارس 2013.
إن إصرار المجلس على الانفراد الكامل بالسلطة ورفضه التام فكرة (المجلس الرئاسي) جعله يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عما وقع من أخطاء، بما فيها تلك التي لم يكن له دخل فيها.
فقد التف الشعب حول الجيش وتوقع منه أن يكون أداته في تحقيق أهدافه بخطى متسارعة إلا أنه وجد منه اختلافا وتباينا في الفكر والإيقاع الذي يتم به تنفيذ المطال، بل ومدى الاستجابة لبعضها، مما أدى إلى ظهور فجوة كبيرة بين الجانبين .. فبينما استخدم المجلس طريق الإصلاح والتغيير ولكن بصورة متدرجة وفى أضيق الحدود، كانت في نفس الوقت القوى الثورية تطلع إلى تغيير جذري يستأصل جذور النظام القديم، ولا يكتفي بالإطاحة برأسه ومحاكمة بعض رموزه، ويؤسس لنظام ديمقراطي جديد.