“عائد إلى حيفا” لغسان كنفاني: خطاب أيديولوجي أم عقدة ذنب؟
اختلف النقاد في تحليلهم لرواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني التي صدرت سنة 1969 كتجسيد لحلم العودة.
وتدور أحداثها في الطريق إلى حيفا عندما يقرر سعيد وزوجته الذهاب إلى هناك، بعد فقدان ابنهما الرضيع أثناء معركة حيفا عام 1948 (النكبة).
وقد تباينت الآراء حول طبيعة النص الأدبي ومدى تطابقه مع شروط الرواية، علاوة على الرؤية التي عكسها كنفاني، سواء في عقدة الذنب التي تمثلها معظم أبطاله أو اللاوعي التاريخي في نقله للأحداث.
وتساءل الكاتب والناقد الفلسطيني المعروف يوسف سامي اليوسفي في كتابه “غسان كنفاني: رعشة مأساة” عن مدى جدية نقد الأدب الإبداعي النضالي لغسان الكنفاني وقال”لماذا لم تتعامل “النقاد” مع البناء الفني للأعمال الأدبية التي خلفها؟
وهو سؤال مركزي أحال من خلاله إلى جملة من المحاور الفرعية في علاقة بالأساليب الفنية التي أضفاها الكاتب والصحفي والمقاوم الفلسطيني.
وانطلق من خلالها في عرض جدلية الإبداع الفني لغسان من خلال توظيف الواقع التراجيدي الفلسطيني في كتاباته.
وأوضح أن “أم سعد” و”عائد إلى حيفا” لا يمكن أن تكونا غير قصص قصيرة.
وأضاف في مؤلفه أن “عائد إلى حيفا”، أقصوصة ممطوطة تنقصها الشمولية وتعتمد الحوار أكثر من الحدث”.
ورغم رمزيتها التي لا ينكرها الكاتب فقد نقد طبيعة الشخصيات التي تنقسم بين سعيد كرمز فلسطيني وخلدون الذي يمثل الماضي المهزوم وخالد الذي يعكس رمز المستقبل، حيث يبدو الماضي عقدة الفلسطيني يعكس شعوره بالقصور أمام واقعه والتي عرفها ب”عقدة الذنب”.
وقد ذكر نبيل سليمان في “روايات غسان كنفاني” أن رؤية فيصل دراج تختلف عن اليوسف، حيث يرى أن “عائد إلى حيفا” هي رواية مستحيلة على مستوى مأساة العائلة أو مأساة شعب بأكمله واختزلت في طاباتها الشخصيات والوقائع والأفعال.
إلا أن مشكلة غسان كنفاني حسب الناقد هي أنه يريد أن يوحد النازية والفاشية، وبين اليهودي والفلسطيني المضطهد بشكل مجرد مما جعل من الرواية مقولات لا علاقات أو هي كما وصفها بالخطاب الأيديولوجي في شكل رواية.
ويرى أن الاشكال في كتابات غسان تتجاوز هذه الرؤية إلى اللاوعي التاريخي ومدى استشرافه للمستقبل وإدراكه لكتابته وكيفية تنزيلها في الواقع.
وهو ما أدى وفق دراج إلى اعتبار أن لا تاريخية الوعي جعل من الصراع السياسي صراعا قيميا أو معرفيا أو أخلاقيا.
كما جعل من الصهيوني وفق الناقد “مرجعاً للفلسطيني وأستاذاً له، طالما أن الأستاذ يتعرف بنجاحه وبقدرته على هزيمة من لم يكن أستاذاً مثله”.
كما عبر عن ذلك بقوله” الصهيوني المنتصر هو فلسطيني ثائر مقلوب، عيبه أنه فلسطيني”.
من جانبها، بينت رضوى عاشور في “الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني” أن “عائد إلى حيفا” ذهبت إلى أن شخصيات الرواية “تعبر عن أفكار وقناعات أكثر منها شخصيات أخذت مداها في النمو، كي تخرج إلينا وجودات حية لها وزنها وقيمتها في الرواية”.
أجمع الأدباء والنقاد على أن كتابات غسان كنفاني لا تهدف للتفنن في حد ذاته بل تم توظيفها لخدمة الروائي.
ربما تمكن الروائي من خدمة السياسي والنضالي عبر نصه الأدبي، لكن السؤال يبقى: هل نجح في تطوير شخصياته والأثر الفني في أشهر رواياته، “عائد إلى حيفا”؟
الوسوم
المقاومة الثقافية سلسلة أدب التحرر العالمي غسان كنفاني