ضوابط الخط في منجز الكويتي بدر خليفة القلاف
محمد البندوري
يستحوذ العمل الخطي المنضبط على جل أعمال الخطاط بدر خليفة القلاف الذي ينشئ الفضاء على منشأ لوني معزز بأشكال الخط العربي الواضح المعالم. فهو يكتسح المساحات بألوان متنوعة ويبني عليها جسر المركبات من شتى أنواع الخط العربي. فيختار التنظيم الدقيق للحفاظ على قواعد الخط وضوابطه مستعينا بجملة من المفاهيم المختزلة في الأشكال المربعة والدائرية والمستطيلة، فعمليات التركيب لديه تخضع للتناغم والتوليف والانسجام بين كل المكونات الخطية، التي توحي بالحركة في تركيبتها الجمالية. ويسعى المبدع من ذلك لاستهداف مجموعة من القيم الفنية والجمالية التي اكتسبها الخط العربي على مر التاريخ، التي تعزز مجال الضبط والتقييد والحفاظ على القواعد، بروح شفافة ترصد كل مقومات الوجود الجمالي.
ولأجرأة ذلك في أعماله، فهو يعمد إلى التخفيف من الكثافة اللونية والحروفية ليترك مساحات حرة مفتوحة في الفضاء الإبداعي، بينما يسد الأشكال البيضوية أو المستطيلة أو الدائرية التي تحتوي على البناء الخطي، تبعا للقاعدة الخطية وحفاظا على ضبط مقاسات الحروف داخل الأشكال.
تتبدى لوحات الخطاط بدر خليفة القلاف انعكاسا روحيا وجماليا وقاعديا يختزل جملة من المعالم، ويصور مجموعة من القيم التراثية بتقنيات عالية.
وبذلك تتبدى لوحات الخطاط بدر خليفة القلاف انعكاسا روحيا وجماليا وقاعديا يختزل جملة من المعالم، ويصور مجموعة من القيم التراثية بتقنيات عالية، ويمثل أصنافا من الوجود الخطي، بوعي وممارسة رصينة، حيث يطبق بعض الأوصاف الخطية من نصوص متنوعة، على نحو من الجمال النابع من رونق الخط العربي أحيانا، والنابع من قلم المبدع أحيانا أخرى، فيضفي على أعماله نوعا من التروي والدقة والموازنة، ما يجعل منجزاته الخطية تمتلئ بالتعابير وبعض المعاني التي تشد القارئ. وهو في تشكيلاته يروم أحيانا المادة التراثية الجادة، والأصناف التعبيرية الأخاذة، حيث يمتح بعضا من مقوماته من المجال الفني العابق بالألوان، وهو يتجاوز الخيال إلى المادة الخطية المليئة بالنصوص المعبرة والمكتسبة للطاقة الحركية التي يصنعها الشكل، ويولدها اللون ويستجليها الخط العربي بدلالاته الرمزية المتعددة. لتتمرأى أعماله في أشكال متنوعة من الجمال، وتتمظهر جلية في التركيبات المتنوعة وفي أشكال الكتل الخطية والانفلاتات الحرفية الصاعدة نحو الأعلى والمنزوية في خانات شكلية، تبرز تدريجيا في الجماليات التي يحظى بها الخط العربي. ولعل هذا يُبرز جانبا كبيرا من التفاعل الجدلي بين المكونات الجمالية وبين الأشكال التحولية للخط العربي، مما يقدمه المبدع من التوظيف الإبداعي الذي يعتمد تخفيف الشكل واللون، لإبراز الحرف متفاعلا مع مختلف العناصر التي تشكل جوهر أعماله، فينتهي إلى أبعاد دلالية يلامس بها المادة التراثية العربية الإسلامية في جوهرها.
وهو ما يجعل هذه التجربة الفنية، تنبني على أسلوب يتميز بالضبط والتقييد، ويحد من حرية الحرف داخل الفضاء. لكنه يشكل رمزية قوية بحكم تجريدية الحروف، ويكتسح مجال الحجب ليكشف عن طرق توظيف مختلف المفردات بسلاسة ونوع من التخفيف، ورصد محيط الألوان، وهو ما ينم عن تنوع التعبيرات القيمية المحسوسة التي تتحرك وفق الأشكال المبنية على أسس فنية، والتي تتخذ من المنجز الخطي أفقا تعبيريا يفصح عن العديد من المعاني، ويقرب القارئ بشكل مباشر من المادة الخطية الملتزمة بقواعد الخط العربي. وهو وإن كان تقييدا للحرف؛ فإنه في الآن نفسه ارتماء في أحضان التعبير وفق طقوس ومفردات فنية منظمة ودقيقة في الوضع، لأنها تستمد كينونتها ووجودها من نبع تراثي صرف، وهي لا تخلو من تصور قبلي. ما يجعلها لا تخلو من الرمزية والتعبير والدلالة. إنه في الأصل لجوء إلى مخزون حضاري يؤثث به المبدع مسارا لمنحى خطي وفني تفاعلي ضمن السياقات الفنية المعاصرة.
٭ كاتب جزائري