3 من أصل 3
وعندما نتأمل هذا الإنسان نجد أنه آذى نفسه أذى عظيمًا، وأن عواطفه جفت، فلست تجد له صديقًا، بل لست تجد له من أسرته من يحب أن يجالسه فضلًا عن أن يصادقه؛ إذ هو قد برهن في تصرفاته المختلفة على أنه خلو من العطف والحنان والشرف؛ لأن جميع هذه الفضائل اجتماعية وهو في صميمه انفرادي أناني، بل إنه يحتقر الثقافة ويأبى أن ينفق قروشًا على شراء كتاب؛ لأن الثقافة في صميمها اجتماعية، وإذا لم يكن الإنسان مهتمًا، بل مهمومًا بالمجتمع، فإنه لا يثقف ذهنه ولا يبالي كيف كان يفكر الفراعنة أو الإغريق، أو ماذا يكتب الألمان والإنجليز في عصرنا.
أعرف واحدًا من هؤلاء الأنانيين … رأيته يوم الفجيعة، يوم الفظيعة، يوم دنشواي يضحك، وهو يقرأ وصف الجلد والشنق للمساكين الذين سطا عليهم الاستعمار البريطاني، وذلك في سنة 1906 وقد بقي بعد ذلك يضحك ويسخر من الحركات الوطنية، ويصف تشرشل الاستعماري بأنه رجل عظيم، بل أعظم رجل في العالم.
ومعظم ما تراه من شقاء في العلاقات يرجع إلى أن الابن البكر قد دُلل كثيرًا، وتُرك لأنانيته بلا تنقيح أو إصلاح، فنشأ اقتنائيٍّا صائلًا يخطف ويسرق أمه وأخوته كما لو كان طفلًا في الثالثة من العمر. وأحيانًا أتأمل هؤلاء الأطفال الكبار في تصرفاتهم الصغيرة على المائدة أو وقت المخالفة في الحديث، فأجد أخلاق الأطفال واضحة، فهم يأكلون بنهم يشبه الخطف، وهم يصخبون في الجدال حتى يضربوا الأرض بأقدامهم، وهم يضحكون عندما يسمعون بنكبة وقعت بأحد الناس، كأن النكبة نكتة، وهم يعيرون المعيوهين بعاهاتهم، فالأحول عندهم “أعور” والأصم أو من به صمم أطرش … إلخ.