2 من أصل 3
وللإجابة على هذا السؤال نقول أولًا إنه ليس هناك شذوذ اجتماعي إلا ونجد له جذورًا ضعيفة في النفوس السوية؛ أي: الحسنة، فنحن جميعًا نحب أن نكبر، وأن يكون لنا مقام اجتماعي يوجد عندنا إحساس الكرامة، وليس شك أن الانضواء إلى جماعة لها نشاط ومركز ملحوظان يكبر شخصيتنا، وعبارة ” يكبر شخصيتنا” تومئ إلى الأصل؛ فإننا لا نطلب التكبير إلا لأننا نحس أننا لسنا كبراء؛ أي إننا نحس نقصًا اجتماعيٍّا.
وكلنا سواء في الإحساس بهذا النقص، ولكننا نتفاوت في مقداره، فالرجل الثري الذي هيئ بروابط عائلية حسنة ووجد المقام في منصب خطير، لا يحس أو لا يكاد يحس شيئًا من هذا النقص، وهو حين يستسلم لأحلام اليقظة لا يبني قصورًا في الهواء؛ لأنه يجد هذه القصور على الأرض، ولكن الرجل الضائق بعيشه يحلم كثيرًا، وتكاد تكون له حياة أخرى كلها أحلام وأمانٍ غير حياته الوجدانية التي نراه عليها، والتي يعيش ويكسب ويتصرف في المجتمع بها، وفي ريفنا المصري – مثلًا – نجد ضيقًا اقتصاديٍّا وفاقة تجر في أثرها هوانا، ونجد لقاء ذلك “شيخ طريقة” يأخذ عليه هؤلاء الضائقون عهدًا يكبر شخصياتهم ويولد فيهم إحساس الأهمية، فالفلاح الذي أخذ “عهداً” يحس منطقًا غامضًا جديدًا خلاصته “أنا فقير في الماديات، ولكني عظيم في إيماني، ثري في قلبي وضميري، أنا رجل مهم”.
وليس شك أن هذا الإحساس يريح ويهدئ النفس القلقة ويزيدها جلدًا على التحمل، وحيث تفشو الفاقة، كما في السودان أو في ريفنا، يفشو هذا الانضواء إلى “شيخ الطريقة ” وليس من الضروري أن يحس أحد الراغبين في الانضواء إلى جماعة ما هوانًا باطنيٍّا مستورًا لم يرتفع إلى الوجدان، ولكنه يريد أن يكبر، والانضواء يوفر له هذا التكبير.