:
3من اصل3
وقد كان يحلو لمؤرخ الأدب العظيم جوستاف لانسون أن يكتب
قائلًا: إن تلك الحقبة تمثل بداية عهد المرأة، حتى وإن كانت هذه الفكرة المثالية لا تزال
حلما بعيد المنال.
نعود من جديد إلى فرساننا الذين كانوا يركضون عراة في الغابات في حالة هياج،
عندما تتملكهم نوبات الجنون. وقد تحدث العديد من المؤرخين بشكل متكرر عن الطبيعة الحيوانية والوحشية للمجنون. وبالإمكان الحديث أيضا عن العودة إلى البراءة بوصفها
مرحلة أولية وعابرة في الطريق الطويل الذي يتعين على الإنسان أن يسلكه من أجل
“خدمة الحب”. يظل المجنون الهائم على وجهه عاريًا؛ لأن أحدًا لم يعطه ملابس، ويكون
همجيًا ومتوحشًا؛ لأنه لا يجد مأوى، ويظل عنيفًا؛ لأنه مضطر دوما إلى الدفاع عن نفسه
وحمايتها من اضطهاد أصحاب العقول الرشيدة الذين يطاردونه بضراوة بمجرد أن
يلمحوه. ترى، بالنظر إلى الرمز الذي يعود إلى القرون الوسطى والذي يصور لنا “مجنونًا
ممسكا بهراوة”، هل انقلبت الآية؟ وتزخر المؤلفات الأدبية في العصور الوسطى بهذه
المطاردات القاسية. فنجد، على سبيل المثال، تريستان المجنون “كان الجميع يسخرون
منه ويستهزئون به، ويقذفونه بالحجارة على رأسه”. وكان يضرب ويقص شعره ويلطخ
بالرماد من قبل الرعاة. وكان الناس يستقبلون المجنون عند دخوله المدينة أو القرية
بصيحات الاستهزاء والسخرية وبالضرب المبرح. كان يتم إلقاء القمامة وإطلاق الكلاب
عليه. وكان عامة الناس يتعاملون معه بمنتهى القسوة وكأنهم سعداء لعثورهم على
شخص مسكين أكثر بؤسًا وشقاء منهم. كما كانوا يظهرون نفورهم واشمئزازهم من
أي شخص مختلف عنهم، وكان هذا هو السيناريو المتَّبَع، على نحو مبتذل، لإثناء المجنون
عن البقاء في هذه الأماكن ولإرغامه على الرحيل.