1من اصل2
صورة أخرى من صور إعادة إحياء الجنون تتمثل في احتفالات المجانين، وهي طقوس
حقيقية تأسست في القرون الأولى من العصور الوسطى، متوارثة عن أعياد الإله ساتورن
التي كانت تقام في الحقبة الرومانية وكان يحل فيها العبيد محل السادة. كانت هذه الطقوس – التي يجري فيها تبادل الأماكن وتختلف مراسمها من مقاطعة إلى أخرى- تسمح للجميع بأن يُفرجوا عن أنفسهم ويطلقوا لانفعالاتهم المكبوتة العنان، كما كانت تبيح لهم ممارسة الفسق والمجون في الفترة ما بين السابع عشر والثالث والعشرين منَ شهر ديسمبر. يبدأ الاحتفال بقيام الكتَبَة وبعض أعضاء الإكليروس بانتخاب “رئيس طائفة المجانين”، ويجرى تنصيبه وسط أجواء من الألحان الساخرة، وذلك قبل أن
تشيعه الجماهير بفرح إلى “منزله” حيث يقام احتفال هناك، يشرب فيه الحاضرون
الخمور بكثرة وينشدون مزامير هزلية. ثم يُختار واحد من بين الجموع ليُنَصب “أسقف
المجانين”، وأحيانًا كان يلقب ب “بطريرك المجانين”. وسعيد الحظ الذي يقع عليه الاختيار،
كان يرافقه رجل دين متنكر على نحو ساخر حتى يوصله إلى باب منزله. وكان يجري
توصيله إما راكبًا على فرس أو برميل خشبي، وإما جاثما على ظهر حمار مرتديًا تاجًا
أسقفيٍا. وطوال مسيرة هذا الموكب، كانت تتعالى صيحات المباركة والتهليل ويراق الخمر.
وكان هذا الاحتفال، المقصور في أغلب الأحيان على المدن الكبرى، يبلغ أوجه في الكاتدرائية
أو في المجمع الكنسي؛ حيث كانت تجرى محاكاة ساخرة لطقوس الخدمة الكنسية أو
صلاة القداس. وكان الحاضرون يأكلون لحم خنزير على المذبح أو يقومون بلعب النرد.
وكان يتم حرق النعال البالية في المباخر القديمة، وشرب الخمر في حقة القربان المقدس.
وكانوا يطوفون بهذا الموكب في جميع أرجاء وشوارع المدينة وهم يطلقون دعابات ماجنة
وفاسقة وسط مناخ عام من النشوة والسكر.