1من اصل2
لما كان تأثير سلطان الجموع الزائد أحد العوامل التي لا مناص منها في الحياة الحديثة،فإنه يقتضي أن نعرف كيف نعانيه، وقد سلم (باسكال) بذلك حيث قال: “لماذا نتبع الأكثرية؟ ألأنها أكثر عقلا؟ لا، بل لأنها أعظم قوة”. وبناء على ما في العدد من قوة، أو على ما أعطي قادة العدد من سطوة تعتقدالجماعة التي هي العدد أنها قادرة على فعل كل شيء، وبذلك زاد عدد مصانعيها حتىأصبح الوزراء والمشترعون عبيدا لها، وما أضعف رجال السياسة أمام صخب الجموعوهزيزها! فأكثرهم اعتدالا يذعنون لها وفرائصهم ترتعد فرقا، ولا يتأخرون – كمالوحظ في بريست – عن التوقيع على بيان لترويج مرشح للبرلمان مجرد عن الوطنية إذأمرتهم بذلك لجان الانتخاب الساقطة.على أن تلك العبودية هي الناموس السائد لجميع الأجيال، فمتى طمع شعب في الحرية، أو تقهقر إلى الاستعباد فإنه يجد أساتذة ومحامين يبررون اندفاعاته تبريراعقليا مهما تكن هذه الاندفاعات خطرة ذات أهوال، واليوم آراء الجموع هي التي تمليعلى المشترعين أمر سن القوانين، وبما أن الأهواء المؤقتة لا الضرورة هي مصدر القوانينالمذكورة فإن عاقبتها القضاء على الحياة الصناعية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد،وأما أولو الأمر الإداريون فإنهم يقتصرون على اتباع تقلبات الرأي لشعورهم بالعجز عنتكييفه؛ فيزيدون ضغثا على إبالة.يشاهد وقوع ذلك كل يوم، ومن الأمثلة المحزنة في هذا الباب هو اعتصاب الملاحينالأخير الذي كاد يقضي على تجارة بلاد الجزائر، فمنذ إعلان الاعتصاب المذكور أصبحت الجزائر في حالة حصار بحري،