عتيوي

عتيوي

عتيوي

(الى عبد الرحمن مجيد الربيعي
في روايته ‘نحيب الرافدين’)
كان يتبعُنا في دروب المدينة،
نحنُ الصغار التلاميذ في الثانوية
يُلاحقنا عَبرَ كل طريق
ويخرجُ من بين كل ثنيّهْ
من ‘حديقة غازي’،
الى حيث ‘بستان زاملَ’،
حتى شواطي الفراتْ
يُحاصرْنا، مثلَ وحشٍ،
ونحنُ نكادُ نموتُ آرتجافاً،
كسِرب القطا الراجفاتْ
***
كان هذا ‘ال’ أسحَم. لونَ الغُرابْ
طويلاً، نحيلاً…،
غريب الملامح،
في عينيهِ حَوَلٌ،
يحَسبُ الشخصَ شخصينْ
وليس يُفرّقُ، إن كان ذا حسناً أم حسينْ
يزوّرُ عنا التقارير مشبوهةً،
وتدورُ على غُرفات ‘المباحثِ’،
مثل الخطايا تدورْ
ويُصدّقها ‘الأمنُ’،
فهو المصدّقُ في زورهِ،
وهو شاهدُ زورْ
يراقبنا من بعيدْ
ولحظةَ يدنو،
يرّنُ بأجراس دراجةٍ يمتطيها
ليُعلن عن نفسه (وهو مُخبر أمنٍ خفيٍّ)،
تخفّى بكوفيةٍ يرتديها
يواري بها صلعةً، مثلَ جلد القنافذِ،
يُخفي بها وجههُ،
ويُلملمُ أذيالها، يتلثّمُ فيها
***
‘عُتيوي’ يراقبُ كل بيوت المدينة
ويعرفا اسماء أبنائها،
فهو في ليلها ‘زائرُ الفجرِ’،
مصطحباً ‘ضابط الأمنِ’،
يا من رأى ضابط الأمن يهتك أمن البيوتْ
ويشهدُ كيف تُساق الضحايا،
وكيف تموتْ
ويسألُ أهل المدينةِ:
من أين أقبلَ هذا الغريبْ؟
يطارد أبناءنا كالوباءْ
لماذا مدنيتنا اجتاحها الغرباءْ؟
وحين كبرنا، رحلنا
تركنا المدينة، ثم اغتربنا،
ومن بعد خمسين عاماً، سألنا:
تُرى أين صار ‘الُ’،؟
قالوا: بأن ‘ال’،
داهمه، وهو في أرذل العمر، داءُ الجُذامْ
أكل الداءُ عينيه،
حتى أصابهما بالعمى
قال أهل المدينةْ:
إنها ‘حوبةُ’ الأبرياءْ
تعالت، فهذا عقاب السماءْ.
لندن19/9/2013

m2pack.biz