غياب

غياب

غياب

كانا واقفَيْن لحظة انسكبَتْ القهوةُ على معطفِه الأسود، بينما تعاين خطوطاً عند زاويتي عينيه. فهو عندما يبتسم تبتسم معه تفاصيلُ جسدِهِ كلِّها وتتفتَّح: تزدادُ خطوطُ عينيه اللامعتين، يهتزُّ كتفاهُ، ويرتسمُ على قسماتِهِ ما يشي بحنينٍ إلى ضحكةٍ اعتادَ أَنْ تغمُرَهُ منذُ وقتٍ قريب.
انسكبَتْ قهوتُهُ مُتَّخذةً خطّاً مُتذبذباً من قطراتٍ سيتركُ أثرُها رائحةً وبُقَعاً داكنة على معطفِهِ ما لَمْ يُسارع إلى تنظيفه. بدا منزعجاً، ربما لأن معطفه ما يزال جديداً. راجعت معه تفاصيلَ انسكابِ القهوة. تحدَّثا عن أمرٍ ما لا تذكر منه سوى أنه يتعلق باللون الأزرق. أكانا يتحدثان عن البحر، السماء، أم ملاءات السرير التي ما جرؤت على الحديث عنها! اهتزَّ ساعِدُهُ فجأة فانسكَبَتْ القهوة.
ربما حدث هذا إثر لمسةٍ طائشة من يدها ليده حين ناولتْهُ كوب قهوته الكرتوني صباحاً. شردت، لكنه استدرك شُرودَها بتنبيهها إلى التماعِ عينيها. عندها أحسَّت: ‘شيءٌ ما يُكتَبُ في داخلي الآن’، ثم وجدَتْهُ يخبرها بثقة أنها ستكتبُ عن قهوته. كيف عرف؟ دسَّت يدها في حقيبتها لتُناوِلَهُ منديلاً ورقيّاً اعتذر عن أخذه. التمسَتْ له عذراً: ‘لا بُدَّ أنه يحتفظ بمنديلٍ ما في جيبه.’
هكذا تسلسلت تفاصيلُ لقائهما المقتضب إلى جانب الطريق. حدَّثَتْ نَفْسها بثقة عالية، رغم عدم اكتراثها بصوتها الذي عجز عن الكلام إلا سرّاً. لحظتئذ، جاءها صوته المُبتسر والعجول: ‘أراكِ غداً.’
سكنَتْ مُحاوِلَةً التشبثَ بالغد القادم.
كان صادقاً بالفعل،
لكنه من فرط صدقه غاب!
قاصة اردنية صدر لها مجموعة قصصية واحدة ‘على اهبة الحلم’.
من أرووووع ما قرأت :)
روووووووووووووووووووعة ..

m2pack.biz