القراءة المتفاعِلة

القراءة المتفاعِلة

القراءة المتفاعِلة

قل لي كيف تقرأ، أقل لك كيف تفكر. فالقراءة عملية تواصلية مع النص، وحوار وتفاعل مع ما يقدمه من أفكار أو خيال. ونوع القراءة الذي تعوّد عليه أي شخص، دليل على الكيفية التي يتفاعل بواسطتها مع الأشياء، فتتحصل له بذلك طريقة خاصة في التواصل والتفكير.
إذا كانت الدراسات النصية الحديثة انتهت إلى اعتبار أي نص تناصا، أي تفاعلا مع غيره من النصوص، نذهب إلى وصف كل قراءة بكونها، هي أيضا، عملية تفاعل نصي مع أي نص.
فالقارئ، وهو يقرأ أي نص، يستحضر حصيلة مقروءاته ومسموعاته، فيقارن ويحلل ويستنتج، وبذلك تتحصل لديه مجموعة من الأفكار الجديدة، أو تعميق أفكار كانت لديه بخصوص بعض الأشياء.
قد يعبر العديد من القراء، عن فكرة، ويتوهم أنها له، وعندما يواجه بأنها لفلان، قد يتذكر أنه قرأها له، أو أنه نسي أين قرأها، أو أنها فعلا من مقروءاته السابقة. وفي هذا دليل على أنه يتشرب، بوعي أو بغير وعي، ما يتفاعل معه من خلال عملية القراءة. وحين يُعبِّر عن مكنوناته تتداخل الأفكار التي كونها من مطالعاته، وتتقاطع مع ما تكون لديه من خلال تجربته وتأملاته.
وفي هذا دليل واضح على أن القارئ يدخل في عملية تناصية مع ما يقرأ، أو لنقل تفاعلية مع النص. لكن الفرق بين القارئ والكاتب يكمن في أن الأخير يُحقق تفاعله النصي مع مقروءاته من خلال الكتابة، فنعثر على آثار النصوص السابقة في نصه حسب أنواع التفاعل النصي التي حددها المشتغلون بنظرية التفاعل النصي العام بمختلف الأشكال التي تم التوصل إليها نظريا. لكن القارئ العادي لا يمكن أن تتبدى لديه عملية التفاعل تلك إلا من خلال إفصاحه عن أفكاره، أو أنها تظل حبيسة ذاكرته أو حافظته فتبرز بشكل أو بآخر في طريقة تصرفه أو تعاملاته. ومن هنا تبرز لنا أصناف التفكير المتعددة بين الناس تبعا للطريقة التي يتفاعلون بها مع ما يتلقونه سواء عن طريق الكتابة أو الشفاهة.
إن القارئ، وهو يقرأ أي نص، أو يسمع أي خطاب، أو يشاهد أي صورة، يدخل في عملية تفاعل ضمني مع ما يقرأ، أو يسمع أو يشاهد. إن الطريقة التي تعودنا بها على القراءة هي نفسها التي نمارسها مع المسموع والمشاهد. وخلال تلك العملية، قد «ينتج» القارئ نصوصا «افتراضية» غير متحققة عمليا، من خلال الكتابة، أو أنه يخزّن ما توارد عليه من خلال العملية نفسها إلى زمان آخر، أو أنه أخيرا، يظل تفاعله صامتا، وغير متحقق من خلال «إنتاج» ما، إلى أن يحصل حافز يوقظ ما تم تخزينه في وقت سابق، فينجم عن ذلك التوارد المومأ إليه. لذلك يمكن الذهاب إلى أن القارئ العادي ينتج بدوره نصوصا، بسبب عملية التفاعل التي يقيمها مع ما يتلقاه، لكنها مختلفة عن إنتاج النصوص التي تخضع لقواعد الكتابة. إنها النصوص «الصامتة» التي تتبدى لنا من خلال أنواع السلوك وأنماط التفكير التي يتميز بها شخص عن آخر. ولهذا السبب أيضا، يمكننا التمييز بين الناس بحسب العلاقة التي يقيمونها مع القراءة، فنكون أمام طبقات متعددة بين القراء.
تراكمت خلال التاريخ تقاليد خاصة بالكتابة وبكل ما يتعلق بها، وهي تختلف باختلاف الحقب، لكن القراءة، أو التلقي، بوجه عام، لم يخضعا بدورهما لمثل تلك التقاليد التي تبحث فيهما، وتضبط شروط كل منهما، وتحدد فاعليتهما. صحيح نجد حاليا أدبيات تتصل بنظرية التلقي، أو بمهارات القراءات المختلفة. لكن العناية ما تزال تتركز على عملية الإنتاج، أكثر من التلقي، ولهذا السبب نجد كل قارئ يتبع طريقة مختلفة عن تلك التي يتبعها غيره خلال عملية التفاعل مع المنتوجات النصية والخطابية والصورية. ولا يتعلق الأمر هنا بالمحتوى الثقافي أو المعرفي، ولكن بالطريقة التي يمكن التواصل بها مع أي نص.
لقد ظل التصور السائد، وغير المعلن، هو أن القراءة تقتصر على أنها عملية «استقبال» أو استجابة للنص المقروء. وأرقى عمليات الاستقبال تتمثل في فهم النص وتمثله. لكن عملية الاستقبال ليست سوى مجرد تلقّ. لكن يمكن اعتبارها أيضا تعبيرا عن تفاعل شريطة تحقق المشاركة في النص من خلال أنواع الحوار معه، التي تسهم في إنتاج «نص» جديد مكتوب أو غير مكتوب.
مع التطور الحاصل على مستوى العصر الرقمي، وتحقق الوسائط المتفاعلة باتت بالإمكان ضرورة إعادة النظر في دور المتلقي، بالتركيز على البعد التفاعلي في أي عملية قراءة، وليس فقط في قراءة النص الرقمي. ويمكننا تبعا لذلك الحديث عن «القراءة المتفاعلة»، باعتبارها واقعا يمكننا التشديد عليه في قراءتنا للنصوص مع التلاميذ والطلبة. كما أن البحث عن مدى تحقق «تفاعلية» القراءة، في النقد ونقد النقد، يمكن أن يصبح مرمى نطور من خلاله فهمنا للقراءة والتلقي. وبذلك يمكننا الارتقاء إلى تحقيق القراءة المتفاعلة، باعتبارها قراءة جديدة تسعى إلى تطوير الفكر.
حصول التفاعل من خلال القراءة المتفاعلة: الإيجابي. الوطن العربي/ النقاد/ المدرسة.
كاتب مغربي

m2pack.biz