شعيب حليفي في «كتاب الأيام».. توثيق الرحلة ودروب الخيال
■ ترسيخا لتقليد أدبي ميز الكتابة السردية المغربية منذ قرون، وهي الكتابات الرحلية التي حاول فيها المغربي تقييد أسفاره المختلفة (الحج، طلب العلم، سفارة) وحفظها من النسيان وتحويلها لنصوص راصدة لدهشة الإنسان في لقائه مع ذاته، من خلال لقاء الآخر وتفاعله مع الجديد والمختلف من أفعال وتجارب إنسانية جديدة. ويواصل ثلة من المبدعين المغاربة السير على نهج سلفهم، لكن بأنفاس فنية وجمالية تعكس بوضوح بصمات اهتماماتهم الأدبية والفنية والمعرفية. ومن بين هذه الأعمال سنتوقف عند عمل رحلي لشعيب حليفي، وقد طبع بالتخييل الروائي، بإخراج فني جميل، صدر كتاب سردي جديد للكاتب الروائي المغربي شعيب حليفي، وقد اختار له عنوان: «كتاب الأيام، أسفار لا تخشى الخيال» وهو كتاب ينضاف إلى منجزه السردي الذي بلغ ست روايات حتى الآن، وهي «مساء الشوق» 1992، «زمن الشاوية» 1994، «رائحة الجنة» 1996، «مجازفات البيزنطي» 2006، «أنا أيضاً» 2010 و«لا أحد يستطيع القفز فوق ظله» 2011. ويحتوي كتاب الأيام على ثمانية نصوص رحلية كانت ثمرة أسفار حليفي، إلى عدة مدن عربية وهي: طرابلس والقاهرة والرقة والرياض والدوحة وقرطاج، تمت على فترات متقاربة نسبياً، ما بين سنتي 2009 و2001. ويأخذنا حليفي إلى أسفار يتلون فيها فعل السفر بصبغة الخيال والتخييل، إذ يتم فيها تذويب الحدود بينهما، ما يجعل من السفر وأماكنه وأحداثه فرصة لانطلاق الذات في تعدد حالاتها في رحابة التخييل، يقول: «وفي كل ذلك، أجنحُ إلى حكي حكايات وفضاءات بأبعاد رمزية موازية، أُرَوِّضُ بها الفراغ الممكن والصمت اللاممكن، حتى أستطيع قول ما لم أقله، والكلام في ما لم أتكلم فيه. أجمعه لأخلطه كما أشاء ثم أذروه في نفسي منتظرا طلوعه كلمات حية تمشي أمامي».
الرحلة وتحولاتها
ينطلق الكاتب من تصور جمالي يعتبر السفر بمثابة انفجار فكري وعاطفي، على حد قول الكاتب والرحالة الكولومبي لويس كاردوزا. يقول شعيب حليفي في مقدمه كتابه التي تعتبر كبيان لهذا الشكل الجديد من كتابة السفر الذي يحاول تدشينه كتاب الأيام: «كثيراً ما تساءلتُ عمن أكون خلف هذا النص.. وقبله من أكون في تلك الرحلات؟ المسافر الملتقطُ لكل مدهش يملأُ به جِرابه؟ أم الكاتب الذي يُجرِّبُ الوقوف على حافَّة العين المفتوحة؟ يُطرِّزُ، على مآقيها، حريته بمداد التخييل.. بحثا عن شكل جديد في قول السرد، فأكتبُ رواية رحلية أو رحلات روائية.. تمنحني لحظات أكون فيها فارسا في سياق البحث عن مخازن بعيدة، أُخبئُ فيها شوقي للكتابة والتخييل والتأويل، وللحافاَّت الخطرة للنصوص النائمة التي تستفيق بداخلي، وأنا هناك في حالات السفر، فتجيءُ روايات قصيرة، لم أفهم في البداية علاقتها بالمكان والزمان. وكلما بدت غارقة في الخيال أحسستُ أنها الأقرب إلى حقيقة الرحلة».
مراوغة الحكاية
ومما يؤكد أن الكتابة تتمرد على السفر هو أن ما كتبه شعيب حليفي هو إمكانات الكتابة، وفرصة لتسريب نصوص والسكوت عن نصوص أخرى تبقى عالقة بوجدانه، يقول:
«لو قيض لي إعادة كتابة كل رحلة لدونتُ نصوصاً أخرى ضاعت ثم عادت، أحس بها راقدة في مخابئ من روح وتراب، مثل بذرة في وجداني»، انسجاماً مع كون الكتابة السردية لدى شعيب حليفي تروم، دوماً، معانقة الوجدان الإنساني في عمقه التاريخي والثقافي. كما يتخذ شعيب حليفي الكتابة فرصة للسخرية من العديد من الظواهر الاجتماعية والسياسية التي يثيرها المجتمع المغربي، لكن بطريقة مضمرة يسمح بها التخييل الذي يجنح بالذات في تحليق حر ويحاول الانفلات بها من قيود الواقع ويسمح بالسفر في أعماق الذات واستكناه أغوارها هروباً من منطق الراهن السخيف الموسوم بكثير من الخيبات والإحباطات المتواصلة. لذلك تسمح النصوص التي يحتويها هذا العمل السردي على كيفية تحول تجربة السفر بمتعتها ومحنتها إلى كتابة تخييلية، عبر الغوص في الذات وأحلامها وهواجسها وما تختزنه ذاكرتها وتوقظ العديد من الحكايات النائمة بشخوصها الطريفة والمنسية أحيانا، وتفسح لها المجال لتفصح عن ذاتها وعن مكانتها وأماكنها المهملة التي سقطت سهوا من كتابات المؤرخين لتعيد لها الاعتبار وتعترف بجميلها ولترسخها في الذاكرة ولتفتح آفاقاً جديدة للسرد الرحلي والروائي معاً، كل ذلك في إطار وعي بالكتابة السردية يستوعب طموحات المعاني وسط تقلبات الخيال وتحولات الواقع المتسارعة.
٭ كاتب مغربي
شعيب حليفي في «كتاب الأيام»: توثيق الرحلة ودروب الخيال
بوشعيب الساوري