في أعمال التشكيلي المغربي أحمد الهُواري.. حركية لونية وتأملات مفتوحة
■ في أعمال أحمد الهواري نجد أعمالا تشي بلمسة خاصة محيلة على أسلوبه، فنتاجه الإبداعي خاص به من حيث توليفاته وترصيفات تلويناته علاوة على ثيماته … يكفي أن تنظر في أعماله كي تحكم على كونها من إنتاجه من دون الحاجة إلى تذييلها باسمه أو توقيعه. والنتاج الإبداعي بهاته الصيغة وهذه التوصيفات شاهد على هذا الطابع لأعماله مهما كانت موضوعاتها ومفرداتها.
فالإبداع الحقيقي يعلو على الواقع ليس ليفارقه بل ليعمق التعبير عنه بشكل غير عادي عبر فنية التركيب والبراعة في النسج وفرادة الرؤية بعيدا عن النمطية والتكرار والتقليد.
لنتاج الهواري رؤية تعود برونقها إلى أسلوب صاحبها الذي لا شك أنه جاهد وجرب قبل أن يصل إليها.فالإبداع بحث واجتهاد وصقل ودراسة. وبذلك يقدم لنا أشكالا جميلة ممتعة بحركية لونية وانحناءات شكلية تلازم كل أعماله وهي العنصر المركزي البارز في جميعها.
لوحات تمنحك وأنت تحدق فيها فسحة للتفاعل مع معطياتها الموسومة ببصمته الفنية، وبموضوعاتها المتعددة مما يتيح لك فرصة السياحة في أجوائها المفعمة بروح تجربة فنية بإمكانها أن تصير أسلوبا يُسْتقى منه ويطوَّر طرازه بشكل توالدي متطور بتطور الخبرات والتجارب. أعمال مفعمة بما يجعلها تثري زوايا النظر والحكم على ما توحي به من أفكار وتأملات مفتوحة…إنه تعاطي العاشق للإبداع … ممارسة تمخضت عن موهبة وهواية ودراية وهي أيضا ممارسة شبه يومية للتركيبات الإبداعية المتنوعة لكن عبر طراز مطرد حاضر باستمرار في كل إبداعات هذا الفنان.
نرى في أعمال الهوراي مشاهد رائقة وساحرة في وضعيات متنوعة ميزتها التوليف والتماسك الشكلي المفضي إلى تعبير فني فريد. وإذا كان الفن التشكيلي في جانب من جوانبه فن تجميل لمعطيات من معطيات حياتنا فإن البحث عن التميز هو العنصر المضفي والجاذب في هذا الجانب. لوحات الهواري لا تخلو من الأبعاد الثلاثية المبرزة للأشكال بجوانبها عبر تقنية الضوء والظل وعبر ما يشبه الكولاج للأشكال لكن بالصياغة فحسْب.
لوحاته مؤثرة دوما، واللوحة التشكيلية المؤثرة ينبع تأثيرها وسحرها من مهارة وصدق صاحبها المدفوع لإنجازها بظروف معمقة للإحساس.
المرأة في لوحاته
في لوحات التشكيلي الهواري تجسيد درامي وتراجيدي لعلاقة الرجل بالمرأة بشكل يثير المتعة لكنه في الوقت ذاته يثير الدهشة والفضول بما يثيره فضاء تموقعهما مجسدين بملمحهما إلى ما يحيل على مواقف غير محددة.
المرأة والرجل في وضعية تقاطع في قلب زخارف ذهبية تجسد الطموح في الرفاه والثروة كمصدر لرغد العيش.
وحين ترد المرأة مفردة وحيدة في اللوحة فإنه يقدمها تقديما يجمع بين أشكال متعددة وخطوط متقاطعة ودوائر موضوعة وفق تناسبات إبداعية تتكامل مع غيرها من الأشكال كي تضفي الحركية والانتعاش على المفردات كي تصير مثيرة لفضول البحث والتساؤل.
لوحات تقدم المرأة بطابع أسطوري مهيب أحيانا، وبطابع الجمالية القريب من عالمها المحبوب (أزهار، طيور، جواهر…)
وقد تجدها في لوحات في وضعية الشاكية المنتظرة للخلاص من منغصات ما، حيث يجعلها الفنان محصورة في عمق الأحمر المحيل على النار، على الدماء، وعلى الغوص في المعاناة اللامتناهية … يدل على ذلك شكلها، نظرتها إلى الأفق وثقل القيود الجاثمة على يديها ويعاضد ذلك كله خلفية اللوحة المصبوغة بتدرجات لونية حارة بشكل عام.
وفي لوحات تجلبك طريقة تقديمها بمظهر مفعم بأشكال رامزة إلى عطائها وعلى سعة مشاركتها عبر ترابطات علائقية مع الرجل وعلى كل محيطها.
واستحضار المرأة في لوحاته استحضار لافت وخاص برؤية تتوفر فيها آليات إبداع الجمالية الطافحة بالمعنى والمنعشة لمشاعر الإعجاب برونق اللون والشكل و الترصيف بانسجامية مطردة في كل أعماله.
ثيمات أخرى
والمتفرج على كل أعماله الحاملة لمختلف التيمات يقف على كونه يستقي موضوعاته مما يعج به الواقع من مفردات تتيح له إبداعات موحية وثرية بتركيباتها التي لا تخلو من رمزية وإحالات على الأواصر الإنسانية وعلاقاتها بالواقع.
في كل لوحات أحمد الهواري مساحة تجريدية لكنها ليست التجريدية المطبقة والمغلقة إذ يطعمها بمفردات تهبها الملمح المتسع الدلالات.
أعمال تأبى أن تنحو في اتجاه يحصرها في المفردة ذاتها لذلك نجد الفنان أحمد الهواري يجول بنا عبر مفردات كثيرة منها المرأة والمعمار والطبيعة الجامدة والتراث وغيرها … كل ذلك بلمسات تحمل ثمرة تجربته واحتكاكه بالمجال الإبداعي المفتوح للبحث والتجريب.
٭ كاتب وتشكيلي من المغرب