الشهرة في حياة المؤلف . جسر من زجاج

الشهرة في حياة المؤلف… جسر من زجاج

الشهرة في حياة المؤلف... جسر من زجاج

الشهرة هي أحد أهداف أي كاتب سواء كان هذا الكاتب يقدم إبداعاته في مجال الأدب، أو تتحول أعماله للدراما أو السينما، فالشهرة هي بوابة أي كاتب نحو الجمهور ونحو الانتشار، فبدون ذلك لا يصبح الكاتب معروفا ولا يكون له جمهور أو قراء، فبدون الشهرة لن تجد أعماله طريقا للنور.
لكن في نفس الوقت، فإن الأديب أو مؤلف العمل الفني عندما يمسك بقلمه ويبدأ في رسم شخصياته ويضع الحوار على لسان هذه الشخصيات، أو يسرد أحداث عمله الأدبي أو الفني متتابعة على الورق، فيجب عليه ألا يفكر في نفسه أو في شهرته، بل يجب على الكاتب في لحظات تدفق الأفكار الإبداعية، وعندما يبدأ في تنفيذ مشروعه الإبداعي ونقله إلى الورق، فعلى الكاتب في هذه اللحظة أن يتخفف من خصوصيته، لأن معركة الكتابة هنا تكون بمثابة معركة إلغاء شخصية الكاتب في مواجهة الشخصيات التي يرسمها بقلمه، وألا يحاول الكاتب أن يستغل شخصيات عمله ليعكس شخصيته من خلالها، في محاولة لاكتساب المزيد من الشهرة بأن يربط الجمهور بين شخصيات العمل الفني والأدبي للكاتب أو المؤلف، خاصة في حالة الأعمال الأدبية التي تتحول للسينما أو التلفزيون، أو المعدة خصيصا لهذا الغرض، حيث يعتبر مؤلفون أن الشهرة في هذا الصدد تكون بمثابة الجسر المصنوع من الزجاج الذي يحتاج له المؤلف أو الكاتب، لكن يمكن في نفس الوقت أن ينهار به في أي وقت.
لكن شهرة الكاتب لا تأتي له مفاجأة أو مجانية، بل إن الكاتب يدفع من أعصابه ثمنا باهظا لهذه المعاناة، وهو الثمن الذي قد يظل المبدع يدفعه طوال حياته حتى تأتي له الشهرة في نهاية المطاف وهو على مشارف نهاية العمر، بل إن تاريخ الأدب حول العالم عرف أدباء لم يدركهم قطار الشهرة إلا متأخرة جدا وبعد وفاتهم.
فبالنسبة للكاتب المبدع، فإن الكتابة تعتبر بالنسبة له معاناة حقيقية بكل أبعادها، ففعل الكتابة في ضمن الحالة الإبداعية للكاتب هي مزج للخارج بالداخل، فهو يمثل الناس، فهو من هذه الأمة، وابن لهؤلاء الناس البسطاء، ويشعر بما يشعرون، واستطاع أن يكون لنفسه اسما مميزا في الإبداع لا في الشهرة واللمعان، فله شخصيته الأدبية لأنه لم يقلد أحدا ولم يلهث وراء الشهرة.
الجنس والدين
في نفس الوقت يطرح الشاعر شعبان يوسف جانبا آخر فيما يتعلق بالشهرة في حياة الأديب أو الفنان، فهو يشير إلى أن حجب كتاب أو منع كاتب من الكتابة يكون غالبا سببا في شهرة الكتاب أو الكاتب، وأكثر من ذلك يقول يوسف: إن البعض من الكتاب والمؤلفين يتعمد في أوقات معينة الاقتراب من دوائر حساسة في الكتابة تؤدي به إلى المنع من النشر حتى يكتسب الشهرة، حتى لو اخترق محظورات تتعلق بالدين أو الجنس، في إشارة إلى أن الشهرة تكون هدفا مغريا بالنسبة لكل كاتب في البداية، لكن فيما بعد تتحول هذه المسألة إلى شيء عادي.
أما في رأي الأديب المغربي الطاهر بن جلون، فيقول: إن العمل الجدي والمستقيم وعدم الانتهازية سواء كانت سياسية أو سيكولوجية هو أساس الإبداع وليس مجرد الرغبة في الشهرة، ويقول بن جلون في هذا الصدد: (أما ما يتعلق بالشهرة فهذا شيء ليس مهما بالنسبة لي.. المهم هو عندما تقرأ أعمالي من قبل مجموعة طلاب أو مثقفين في أي مكان)، معتبرا أن الشهرة عبارة عن زبد سطحي جداً يذهب جفاء، وربما يكون هناك عملا جادا نمارسه لعدة أعوام ولا تكتب له الشهرة، مضيفا: “إنني أكتب منذ فترة طويلة جداً، وأكتب يوميا ولن أبحث عن الشهرة، ولن أعمل أي شيء من أجلها”.
لكن ابن جلون يعتبر أن للشهرة ضريبة يدفعها الكاتب، خاصة بالنسبة للكاتب الذي تتحول كتابته إلى أعمال درامية، ويقول حول هذا الصدد: “ينتابني شعور رهيب بالنسبة لي، وأكون في حالة قلقة عند وقت إذاعة عملي على ملايين الناس.. أشعر أني استطعت أن أكون عند حسن ظن الناس، وهذا إحساس جميل يعوضني عن فقدي لأشياء كثيرة”، مضيفا: “فمثلا عندما أدخل محلا أفاجأ بالبائع يقول لي: يا أستاذ نحن لا نشاهد إلا الأعمال التي تؤلفها.. إنها شهادة تقدير من رجل عادي ليس بناقد أو صحافي.. لقد نلت أعظم من الشهرة، نلت احترام الناس”.
ويرى الشاعر فاروق شوشة، أن الشهرة مدغدغة للطموح والتطلع، هادمة للخصوصية والحرية الشخصية، مضيفا: “أنا إنسان معذب بالحياة، يشغله وجهاها الهزلي والمأساوي وينسج من البسمة والدمعة خيطا رفيعا من الأمل، يعطيه القدرة على التماسك والاستمرار، ويرى في الشعر تبريرا لوجوده، وفي العمل الإعلامي بكل إيجابياته القليلة وسلبياته الكثيرة إضافة لدوره وصلته أعمق وأوسع بالناس”.
ومن ناحيته، يعتبر الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، أنه لم يشغل باله كثيرا بالشهرة، لكن كل ما يعرفه أنه حاول مبكرا الوصول لصوته الشعري الإبداعي الخاص، ويضيف في هذا الصدد: “رغم تأثري بكل الأصوات المبدعة الجادة والأساسية لحركة الشعر، إلا أنني نجحت في التخلص من هذا التأثير، وإضافة تجربتي بملامحها الواقعية والإنسانية في نفس الوقت”.
اقرأ/ي أيضًا محمد خان… مخرج حوّل السينما إلى واقع الناس
وحول مسيرته التي أوصلته للشهرة التي حاز عليها يقول: لقد عانيت معاناة حقيقية من أجل الكتابة، ومن أجل الشعر لم أتوقف لحظة في التزود بثقافة حقيقية، سواء كانت منابعها قومية أو عربية أصيلة أو عالمية.. الشهرة لا تهمني كثيراً ، لكني راض عما أعطيت، وبكل تأكيد غير راض عما أخذته.. كل ما يشغلني أن أتجاوز ذاتي في كل عمل جديد، وأن أبرأ من التكرار ومن التردي.

m2pack.biz