موسم الجوائز.. دَجاج الأدب يَبيضُ كتباً من أجلها
«وَعْي الدجاج» لا يُنتِج أدباً، و«نَقّارو الصُحون» في العالَم العربيّ كثيرون. منذ البدء كنا نعرف النهاية: سيكتسح الدولار الكتابة.
حصَل، ذلك، فعلاً. صارت الكتابات الروائية (كما حدث من قبل للشعر)، على اختلاف مؤلِّفيها وبيئاتها وشروطها المحلية ومواضيعها، متشابهة إلى حد السأم، حتى لنكاد نطلق عليها مصطلح: «الكتابة العربية الواحدة»، من دون أن نخشى الشَطَط. ونحبّ أن نسأل: أكُلُ ذلك بسبب «ظاهرة الجوائز»؟ وللسؤال، دائماً، أكثر من جواب. وأيّاً يكن الجواب، فإن توقيت هذه الظاهرة هو المخيف. وخصائصها «المهَيْمِنة بلا حَدود» على الإبداع والمبدعين، إلاّ ما نَدَر، هي المثيرة للتساؤل والقلق.
حديثاً، تراكمت ثروات هائلة في بعض البلدان. ورخص الكائن. وتفتَّتَت دول أساسية، كان لها شأن ثقافيّ كبير، أو هي في طريقها إلى التفتُّت: سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، السودان وفلسطين. وعسى ألاّ تلحق بها، قريباً أخريات. وتعَطَّلَت في بلدان أخرى، أو تكاد أن تتعَطَّل، عمليَّة الإبداع، لأسباب كثيرة، تعرفونها أكثر مني. في هذا «الظرف المأساويّ» العاصِف، تَمَدَّدتْ تلك البلدان المحدودة اجتماعياً وثقافياً (أو التي كانت كذلك)، وغدتْ لا محدودة ماديّاً. تمدَّدتْ حتى غَطَّتْ بدولاراتها «الفضاء الثقافيّ العربيّ» بأجمعه. ونَمَتْ، إلى حَدّ مخيف، رغبة الاِلْتهام الأدبيّ، عندها. وتوَسَّعَتْ «مداركها» الفنية. وانْفَتَحتْ شهيّتها لِلَقْف المُنْتَج الأدبي بشكل مثير، حتى بدا كأن تلك «الشهيّة الأدبية الطارئة» لا يمكن إشباعها، حتى «الخاطرة» صارت لها جائزة! لماذا لا تكون ثمة جائزة «للصَّفير»؟ أو غيره نسأل! ولكن مَنْ يقرأ السؤال؟ وعزاؤنا أن ما يُكتَب، لا يُكتَب ليُقْرأ، فقط، إذْ ثَمّة آليّات كثيرة أخرى تعمل، مندَسّة بين الكلمات، بِصمت.
هذه البلدان التي لم تكن تشكّل هَمّاً ثقافياً، من قبل، صارت اليوم هي «الحَكَم الوحيد» في الثقافة العربية «المحاصَرة»، حتى لا نقول «المعاصِرة». إليها، وحدَها، تتوَجَّه الأمور: فهي المُعْنى، والمستهلِك، والمصدِّر، والرافِع، والخافِض، والمُتَرْجِم، والمُتَرْجَم… وغدتْ، أيضاً، في هذه اللحظة التاريخية الغامضة، «صلة الوصل» مع «الغرب»، الذي صار، هو الآخر، يطمع في دولاراتها «السهلة الحصول»، مثل «عملائها» من المبدعين العرب.
عَبْر هذا «الوَصْل المَلْغوم» صارت «الترجمات الهزيلة» التي من المفروض فيها أن تظلّ «ثانوية»، هي المعيار الأدبيّ «الأساسيّ»، في «ثقافة الجوائز العربية»، بدلاً من أن تكون إحدى وسائل الاكتشاف والمعرفة المتبادلة. وهو ما شَلّ، ولا زال يشلّ، وَعْي المبدع العربي، حيث يُلْهيه عن «مساوئ الوضع الذي هو فيه»، جارِفاً إياه إلى «مستنقع البحث العبثيّ» عن رضاء «الآخر» الذي لا يمكن أن يرضى عنه، لأسباب كثيرة، أولها أنه (الغرب المُبْتَغى) لم يعد راضياً عن نفسه، الآن!
بتأثير ذلك، كله، حَلَّت «الصورة» محلّ الفكرة. والاجتماع المشهديّ البليد، محل اللقاء الأدبيّ الخلاّق. والتجمّع المتواطئ المبنيّ على الزيف والتزَلُّف ل»أولي الأمر الأدبيّ»، محل الجَدَل العميق الذي يُعْلي شأن الحقيقة الاجتماعية، أيّاً كانت، حتى إن لم تكن موجودة! هكذا، صار النقد توصيفاً. وتحوّلت الكتابة إلى مواعين فارغة يمكن ملؤها بأي شيء. لا معيار للنقد. ولا عتبة للإبداع. ولا أهميّة لما يُكتَب. إنه مجرَّد تراكمات.
انتهاز «المأساة العربية الحديثة»، هو الذي جعل الساحة الأدبية تُستَباح بهذا الشكل اللامعقول: انصِياع المبدعين العرب لغواية «الجوائز»، عَبْر تخضيعهم مادياً لإرادتها، وتَطويعهم معرفيّاً لمشروعها اللاتاريخيّ، وجَعْلهم يقبلون بما تراه مناسباً لها، مع أن «تصوّرها الاجتماعي» يقبع في «كُهوف الإنسانية». بلى! ثمة «مأساة عربية»، اليوم، في الإبداع، كما هي الحال في السياسة. مأساة لم يعد حلّها ممكناً لأن «مُعْطَياتها» لم تعد بين أيدينا. فقد تغافَلْنا عمّا يحدث أمامنا، وتجاهلْناه، أو استَسَغْناه، حتى غدا أكبر منا بكثير. مع أن «مأساة الكائن دائماً أصغر منه»! أما هذه المأساة فلا حلّ لها، كما أرى، إلاّ بمأساة أكبر منها! «كلمات. كلمات. كلمات».
كاتب سوري
خليل النعيمي
أولا لا أعرف الأستاذ خليل النعيمي بمعنى أنني لم ألتق به سابقا أو أتعرف عليه أو أقابله في أي مؤتمر أو ندوة حضرتها وهذا إيضاح ضروري لنفي أية علاقة بيني وبينه مما يضفي مصداقية على ما سأقوله ان ما قرره الأستاذ النعيمي في مقاله تشخيص دقيق لحال الجوائز العربية وما وصلت اليه من ترد وهاوية باعتمادها على المعرفة والعلاقات الشخصية و(الشللية) بالإضافة الى (البوصلة) التي تهفو اليها الأبصار وتعنو لها الجباه وتتجه اليها القلوب وهو الذي بينه المقال بجلاء أما (طوابير) المتقدمين الى هذه الجوائز فهم واهمون بل سادرون في أوهامهم حين يظنون أن مجرد التقدم مع الكفاءة كافيان للفوز بواحدة من هذه الجوائز وربما لا يعرفون أن خلف الكواليس تكمن الحسابات والصفقات وتبادل المنافع وهي ألعاب يجب تجاوزها ولايقدر على هذا التجاوز سوى الحواة والسحرة والقادرين على المشي على الحبال الرفيعة وما أدراك؟ مع الشكر للأستاذ النعيمي وللقدس العربي الغراء الدكتور وليد محمود خالص
الاستاذ الدكتور خليل النعيمي :- أحسنت
لنسمي هذه الظاهرة كتب الجوائز لأن لو أطلقنا عليها كلمة أدب نكرس انها ذَا قيمة ادبية