الطواف حول وثن السلطة… المثقّف الجزائري وهزائمه

الطواف حول وثن السلطة… المثقّف الجزائري وهزائمه

الطواف حول وثن السلطة… المثقّف الجزائري وهزائمه

الجزائر-«القدس العربي»: للمثقّف الجزائري تاريخ طويل في خدمة السّياسي، في التّصالح معه وفي تبنّي خيارات ليّنة للتقرّب من السّلطة، تحت شعارات مكرّرة، تارة تحت مُسمّى خدمة «الجمهورية»، وتارة أخرى باسم «مُحاولة التّغيير»، هذا التّغيير الذي لم يحصل قط، منذ الاستقلال عام 1962، حيث دأبت السّلطة الحاكمة على الاستعانة بالمثقّف لتنصيع صورتها وتبييضها، تستخدمه كممثل لها أمام الجماهير السّفلى، ناطقاً باسمها لتمرير ما تودّ تمريره من أهوائها، بدل أن يكون شريكاً لها في القرار، يملأ فراغات صغيرة ويتكفّل بإتمام مهام لم تكتمل. استفادت هذه السّلطة من المثقّفين، قربّتهم منها، منحت بعضاً منهم مناصب وأوسمة وامتيازات، واستبعدت آخرين، بمجرد انتهاء مهامهم، أعادتهم إلى الظلّ، من حيت أتوا. كان الكاتب بختي بن عودة (1961-1995) يقول «إن المثقّف الجزائري، خصوصاً المعرّب على عكس ما هو عليه المثقّف المفرنس لا ينتج جديداً، بسبب تواطئه مع السّلطة، التي (استهلكته ثم طرحته) وصار يُدافع عنها وعن أفكارها أكثر مما يُدافع عن قناعات المرحلة التي يعيش فيها».
أفيون المثقف العربي
السّلطة هي أفيون المثّقف العربي، والجزائري على حدّ سواء، وكلمة مثقّف لا تعني – بالضّرورة – شخصاً ذكياً ومتنوراً، خصوصاً في الحالة الجزائرية، حيث تعددّت نماذج مثقّفين يفضّلون إشباع نزواتهم ورغباتهم وأطماعهم الذّاتية على حساب استقلاليتهم، متنازلين عن الدّفاع عن حقّهم في الاحتجاج وفي الرّفض. ربّما كان الأكاديمي الفرنسي بيار نورا يقصد المثقّف الجزائري، حين قال: «المثقّف بات لا يُدافع سوى عن اسمه وعن صورته»، فمنذ أكثر من نصف قرن، نجد أنفسنا أمام مثقفين يُحاولون – كلّ بطريقته – تمجيد أسمائهم وصورهم، ليس بأعمالهم، وقربهم من المجتمع، ومن متتبعيهم، بل بتوسّلهم للسّلطة، ومحاباتهم لها، لنيل رضاها أولاً، ثم ما قد تجود به عليهم من مناصب ومكاسب تخدم اسمهم وسمعتهم.
جماعات الاستسلام الأبدي
استطاع السياسي منذ البداية أن يفرض سلطته بالعنف الجسدي، ثم العنف الرّمزي، ومع الوقت تكوّنت جماعات مثقّفة تريد السلام الذي يُرادف الاستسلام، وما نعيشه اليوم من غياب تامّ للرّموز الثّقافية، كما يحلو للإعلام وصفها، عن التأثير في أي أحد، أرجعه لهذه الازدواجية في الاصطفاف، أصبح – يا للمفارقة – المثقف مثل السياسي تمامًا، يحسبها بالتوازنات والمصلحة المادية. لن أحمل السّياسي مسؤولية «موت المثقّف السّريري»، فالأغلبية راضية ويعجبها وضعها، وتتمنّى أن يستمر».
خدّام النظام الوفي
تعيش الجزائر الآن صخب انتخابات تشريعية، تعزف كتل واسعة من الشّعب على المشاركة فيها، كثيرون اختاروا مقاطعة الصّندوق، بحكم خيبة أملهم من انتخابات مُماثلة في السّنوات الماضية، ونظراً لأن المجال السّياسي ما يزال مغلقاً، في قبضة الأسماء نفسها منذ بداية القرن الجديد، بالمقابل يصرّ بعض ممن يُحسب على المثقفين على المشاركة فيها والتّرشح في قوائمها، رغبة منهم في الوصول إلى البرلمان، و»خدمة الثّقافة» كما يقولون، هذه المتلازمة التي تدور، باستمرار، كلّ خمس سنوات، تحوّلت إلى ما يشبه أسطوانة مهترأة، فالمثقف يعتقد أن مجرد وصوله إلى شغل مقعد واحد في البرلمان من مجموع 462 مقعداً سيمنحه من السّلطة ومن الصّلاحيات ومن الشّرعية ما يسمح له بخدمة الثّقافة، مع أن تجارب عقود ماضية علّمتنا أن صوت المثقف السّلطوي لا يخرج عن الأوركسترا العامّة التي تحكم البلاد، فهو منخرط، في لاوعيه، في الخطاب الرّسمي، يمضغه ويُعيد طرحه على المجتمع، ولم يسبق أن قدّمت لنا تجارب سابقة مثقفاً واحداً استطاع أن يخرج عن «الصّف» أو تمكّن من فرض صوت مُخالف وأن يخدم، ولو بلسانه، أولويات الثّقافة في البلد، فالمثقف استقال، منذ أكثر من نصف قرن، من مهامه الأساسية، في الجزائر، وفضّل أن يسير تحت كتف السّلطة الأقوى، محاولاً، في الوقت نفسه، أن يوهم المتلقي بأن وجوده في السّياسة سيخلق توازناً ضرورياً!
أوسمة الاحتقار الزاهية
مع أن المُلاحظ هو الاحتقار، المُعلن عليه، من السّياسي تجاه المثقّف، هذا الاحتقار الذي يظهر تارة في كلمات، كما في تصريح الوزير الأوّل عبد المالك سلال، الذي قال بأن المجتمع يحتاج للعلوم وليس للشّعر، في سخرية علنية من الأدب، وتارة أخرى يظهر بشكل قوانين وممارسات، كما فعل – مؤخراً – الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي منح، دفعة واحدة، أوسمة لكتّاب ومثقفين، غالبيتهم من الرّاحلين، منهم من توفيّ قبل حوالي ثلاثة عقود مولود معمري، أبو العيد دودو، جمال عمراني ونبهاني كربيع دون أن يهتمّ كثيراً بكتّاب وبمثقفين على قيد الحياة، كما لو أنّه يقول إن المثقّفين السّابقين خدموا السّلطة أكثر مما يفعل المثقفون الحاليون.
أضغاث أحلام
من حقّ المثقّف أن ينخرط فيما لا يعنيه، أن يكون مزعجاً، نشازاً ربما، أن يصير مناضلاً، من المنظور الغرامشي أو السارتري، لكن في خضم بحثه عن صفة ثانية، يتحوّل المثقّف الجزائري إلى «خادم مُطيع» أو ما يشبه نادلاً في صالون الحكم، إلى مرآة عاكسة لما تفكّر فيه السّلطة الفوقية، لا يُمارس حقّه في الكلام، بل يكتفي فقط برد صدى ما يصله من أصوات مسؤوليه. «قد يستعيد المثقّف قيمته اجتماعيّاً، بعد أن انحسرت مكانته وعادت أدراجها إلى الوراء، متى تمّ التحرّر من هيمنة السياسي وفتح حوار جادّ وعميق تتخلّله قيم الديمقراطيّة والحريّة والتعدّد والاختلاف من جهة، وإيمان السلطة السياسيّة أن يكون المثقّف شريكا ضروريا في صناعة حاضر ومستقبل السياسة والدولة من جهة أخرى». ذلك حسب رؤية خديجة زتيلي.
من التأقلم إلى الموات
حين يُستبعد المثقّف الجزائري، من السّلطة، نجده يُعارض ويُجاهر بعدم رضاه من الواقع، وحين يقترب منها، تحتويه، وبدل أن ينتقدها من الدّاخل، نجده يتناغم مع آرائها، يُدافع عنها أكثر مما تُدافع هي عن نفسها. رغم أن المثّقف يمتلك شرعية معرفية – كما عبّر عنها بختي بن عودة – فإنه، في لحظة من اللحظات يتغاضى عنها، لصالح الشّرعية التّاريخية، التي يتغنّى بها السّياسي، في الجزائر. حين يدخل المثقّف الجزائري إلى السّياسة، إلى البرلمان أو إلى الحكومة، يتحوّل إلى ما يُشبه شخصية أورويلية من رواية «1984»، يصير أكثر قابلية للتّأقلم مع الشّمولية من مواطن عادي، لم يحظ بشرعية معرفية كتلك التي يُفاخر بها المثقّف.
سعيد خطيبي
في ما مضى كانت السلطة تستقطب المثقف الجزائري وتعمل على استمالته اليها بكل الوسائل بدءا من محاولة شراء الدمم، أما اليووم فهي من يصنع أشباه المثقفين بعدما سيطرت على الجامعات وعلى اداراتها فهمشت المثقف الحقيقي
السلطة أية سلطة ليست وثناً بل نعمة كبرى للناس.وإلا لوكان الناس من دون رأس جامع لأكل بعضهم بعضاً.لكن ثمة استغلال للسلطة ؛ نعم.

m2pack.biz