أزمة الفوتوغرافيا… سطوة وسائل التواصل وغياب النقد
يقول الفوتوغرافي الأمريكي الأشهر آنسل آدامز 1902 – 1984 «لا توجد قوانين للصور الجيدة، هناك فقط صور جيدة». دخولا لموضوع أزمة الفوتوغرافيا على وسائل التواصل الاجتماعي بهذه المقولة كتوطئة . فمنذ أن انطلقت هذه المساحات الرقمية في العالم الافتراضي، وقد أصبح التثاقف الفوتوغرافي صنعة لدى الكثيرين، يفتون بالفوتوغراف كيفما اتفق، ويحشون ما يكتبون بالمغالطات الفنية والتقنية والمفاهيمية وحتى التاريخية لنشأة الفوتوغراف.
في الوطن العربي، هناك من أفردوا صفحات وأسسوا مجموعات فوتوغرافية على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» وراحوا يحشونها بكلام لا يمكن وصفه إلا بالتثاقف الفوتوغرافي الذي لا يحمل في طياته شيئا من المعرفة المؤثثة بالمفاهيم الجمالية لهذا الفن، فليس من رقيب ولا ما يحزنون؛ فصار من السهل على الكثيرين أن يقدموا أنفسهم كمنظرين فوتوغرافيين، متجاهلين أبسط أساسيات الكتابة الفنية النقدية، ناهيك عن المغالطات الفوتوغرافية التي قد يكون لها أثر سلبي في تكريس العشوائية الفوتوغرافية، سواء من حيث ما يقال أو ما يتم نشره من صور كمثال يحتذى، ويتم الاحتفاء بها، على الرغم من رداءتها، من قبل مجموعات الفيسبوك الفوتوغرافية الهزيلة في أغلبيتها المطلقة، ما يؤدي لإنشاء جيل فوتوغرافي يتعامل مع التصوير باستسهال ورخاوة، جيل هو بالأساس متعطش للمعرفة وصادق في حبه للفوتوغراف، ولكنه لا يجد إلا تلك المجموعات الفوتوغرافية على «الفيسبوك» أو الصفحات الشخصية لأولئك الذين يعيدون إنتاج الرداءة بوصفها تعليما وتقييما فوتوغرافيين.
لقد قامت وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا «الفيسبوك» بمنح الكثير من المتسلقين في هذا الفن هامشا واسعا للادعاء والتلفيق، وتم استغلال حقيقة أن الغالبية من الجيل الجديد بشكل عام، يميلون لوسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي لمتابعة كافة المجالات ومستجداتها فيتعثرون بهذه المجموعات الفوتوغرافية وبأولئك الذين يقدمون أنفسهم كمعلمي فوتوغراف، وهو ما ينطلي على الجيل الجديد، لشغفهم الحقيقي والصادق بالارتقاء في تجربتهم ومهاراتهم الفوتوغرافية، ولتطوير مخزونهم المعرفي. يقرأون ما يكتبه بعض أولئك كمفاهيم فوتوغرافية، ويقومون بربط ما يكتب على أنه تعليم فوتوغرافي؛ بادعاءات الأشخاص أنفسهم الذين يكتبون في الفضاء الرقمي منجزات لهم، مخترعين بذلك سيرة ذاتية خلبية، لا أدلة عليها ولا يذكرون حتى حقائق في هذه السِيَرٍ الذاتية ليتم التحقق منها، فيظن المستجدون في فن الفوتوغراف أن نجاح أولئك بسبب فهمهم وما يقدمونه في الفوتوغراف كتعليم، فيقومون بالإقبال عليهم.
من الضروري في هذا المقام إنصاف الفضاء الرقمي، وما يقدمه من سهولة في تقديم المعلومة والخبر، وهو أمر مهم جدا، ولكن في الوقت نفسه له عيوب وسلبيات كثيرة كتلك التي ذكرتها سابقا. في وسائل التواصل الاجتماعي هناك من يتعامل مع المعلومة التي يقدمها وما يكتبه بمسؤولية، لأنه لا رقيب على أحد في هذا الفضاء إلا الشخص نفسه، فليس من الممكن متابعة كل ما يقدم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن أحيانا يتم الوصول لبعض ما يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا ال»فيسبوك»، فتجد أحدهم يقدم نفسه كفوتوغرافي متمرس في حين أن تجربته أقل من عادية، ولكن «الفيسبوك» ليس فيه ما يمنع أي شخص من أن يدعي ما يشاء، وفوق هذا الادعاء تجده يكتب للمستجدين تعليمات في النجاح الفوتوغرافي، تعليمات معيبة وحتما لها أثر سيئ على المصورين الجدد، على سبيل المثال مما يُكتب في هذا الفضاء: «ليس المهم أن تعرف كيف تصور، المهم أن تعرف كيف تبيع». كيف يمكن لأي شخص أن يبيع صورا إذا كان لا يعرف كيف يصور وليست لديه الموهبة لفعل ذلك؟ ولا يعرف كيف ينتج صورة استثنائية قد تجذب المقتني؟ أما مسألة مقدرة من يعرف كيف يصور على بيع أعماله، فهذه مسألة مرتبطة بطبيعة سوق الفن التي تختلف من بلد إلى آخر، وهذا ليس المقام للحديث عن الأمر وإشكالياته المرتبطة بالوعي الثقافي والحضاري للمجتمع والمرتبطة كذلك بالحالة الاقتصادية.
في مثال آخر، تجد هناك من يكتب بشكل مكرس على النت ما يسميه «مقالات فوتوغرافية نقدية»، في حين أنه لم يقدم قط مقالة واحدة حول مفاهيم الفوتوغراف وتاريخه النقدي، أو حول آليات النقد البصري للفوتوغراف، لتجد أن أغلب ما يكتب نصفه هو تكرار لمعلومات عامة في الفوتوغراف يذكرها في سياق عام، والنصف الآخر كتابة تصنف في خانة العلاقات العامة. هذان مثالان من أمثلة كثيرة تتكاثر في الفضاء الرقمي، ولا تتسع المساحة هنا لذكرها جميعها، وهو ما يعتبر تلوثا مفاهيميا وله نتائج سيئة جدا على خلق جيل يستقي ثلاثة أرباع معلوماته من الفضاء الرقمي الافتراضي، وأغلب ما يتأثرون به في الحراك الفوتوغرافي، هو من الواقع الافتراضي في الفضاء الرقمي.
الفوتوغرافيون الجدد يحتاجون للتوجيه وإثراء فهمهم لهذا الفن، وليس تعليمهم كيف يصورون، أو كيف ينجحون في مسيرتهم الفوتوغرافية، كما يدعي الكثيرون على الفضاء الأزرق.
يحتاج المصورون الجدد إلى تعلم آليات العمل في حقول التصوير، سواء الفني أو الصحافي، وقد يحتاجون كذلك التعليم من حيث تقنيات الكاميرات وآليات عملها، واختلاف سلوك الضوء بحسب اختلاف الإعدادات في الكاميرا، في أمور كهذه يمكن جدا الحاجة للتعليم، وليس أي شخص على الفضاء الرقمي قادرا على هذا التعليم، فالذين يدعون المقدرة على التعليم كثر وغالبيتهم العظمى يهذرون بمعلومات عامة عن تقنيات الكاميرا مغفلين حقائق تقنية لها أصولها وأسسها وقواعدها التي لا تتغير من حيث الأساس مهما تطورت صناعة الكاميرات.
إذن، يمكن تعليم المصورين الجدد تقنيات الكاميرا وآليات عملها ولكن لا يمكن تعليمهم الإحساس بالصورة وكيف يصورونها، أو تعليمهم كيف تكون لديهم حساسية فنية تجاه المشهد، فعلى سبيل المثال يمكن أن تعلم أحدهم بحور الشعر ولكنك لا تستطيع أن تعلمه سحر الكتابة الشعرية وصورها دون موهبة أصيلة يتم تدعيمها بالتوجيه، وكذلك يمكنك أن تعلم أحدهم كيف يمسك بسكين الرسم أو بريشة الرسم، وكيف يخلط الألوان في ما بينها لإنتاج ألوان معينة، ولكنك لا تستطيع أن تعلمه كيف يرسم لوحة أكاديمية أو تشكيلية دون وجود موهبة أصيلة كذلك، وفي كلا الحالتين، إذا لم تتوفر الموهبة الطبيعية، فالعالم كله لا يستطيع أن يعلمهم كتابة الشعر أو الرسم، وإن أنتجوا شيئا فسيكون نتاجا هزيلا وبلا روح.
العديد من المشتغلين في مجالات أخرى، سواء في الفنون التشكيلية أو الكتابة الأدبية أو في الكتابة الصحافية، يشعرون بالشيء نفسه تجاه العديد من المتسلقين والدخلاء الذين وجدوا في الفضاء الرقمي فرصتهم ليمنحوا أنفسهم مكانة ليست لهم، وليجدوا فيه حاضنة متساهلة ويقدمون من خلاله نتاجا فنيا وأدبيا رديئا ولكنه محمول على علاقات افتراضية في الفضاء الرقمي، وهو ما يحصل كذلك في الفوتوغراف، ولكن أخطر ما في الأمر، هو أن المسألة لم تعد محصورة فقط في الفضاء الرقمي، بل راحت تتسرب كالوباء منه لأرض الواقع، منتجة مسوخا يتجولون بيننا، وينتجون حراكا فنيا وأدبيا جديدا، بلا نكهة أو طعم.. من خلال تجارب هزيلة، لم تنضجها نار التجريب والبحث والنقد الحقيقي لها على أرض الواقع، ناهيك عن تلك التجارب المنتحلة والمسروقة التي وجدت لنفسها فضاء خصبا لتقديم نفسها دون رقيب يفضح هذه السرقات والانتحالات، وحين تعاظمت في الواقع الافتراضي؛ تسربت أيضا لأرض الواقع متخذة مكانة لا تستحقها.
فوتوغرافي فلسطيني أردني
محمد حنون