صدور العدد التاسع من “تبيّن”
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد التاسع (صيف 2014) من مجلة “تبين” الفصليّة المختصة بالدراسات الفكرية والثقافية. وقد تضمّن هذا العدد جملةً من الدراسات والبحوث والمقالات المحكّمة.
يحوي العدد دراسة للباحث عبد الفتاح نعوم عن “مساهمة الاستشراق الأنغلو-أميركي في صعود دراسة المناطق”. وتسلّط الدراسة الضوء على تحوّلٍ مهم عرفه حقل الدراسات الاستشراقية بعد الحرب العالمية الثانية، بصعود “دراسات المناطق” التي لم يفرد لها حتى الباحثون الكبار الذين ساهموا بشكل كبير في نقد الاستشراق سوى بضعة أسطر أو بضع فقرات في أحسن الأحوال من مؤلفاتهم الضخمة. لذلك تزعم هذه الدراسة أنها تطرق إشكالا جديدًا وتخوض فيه بعيدا عن النقد والإسهام السائدين في تناول الاستشراق.
وفي دراسة “إستراتيجية التفكيك عند دريدا: الهدم والبناء”، يسعى الباحث عمر التاور إلى إبراز كيف توسّل جاك دريدا إستراتيجية التفكيك للاضطلاع بمهمة مزدوجة في الفكر الفلسفي المعاصر؛ مهمة قوامها الهدم والبناء: هدم “ميتافيزيقا الحضور” عبر تشخيص أمراض فكرٍ غربي متمركز حول ذاته، ثم بناء “فكر الاختلاف” عبر مباشرة فكر مغاير ومختلف. ويبرز البحث أنّ محاولة دريدا تقويض ميتافيزيقا الحضور هي – في العمق – تفكيرٌ في أسباب الخضوع للمعنى والحضور والصوت المؤسس لميتافيزيقا الحضور ولكل التقليد الفلسفي الغربي الممتد من سقراط إلى مارتن هيدغر؛ وأن رغبته في التأسيس لفكر الاختلاف عبر التفكير في الكتابة كأصل للكلام وكهامش يسكن قلب المركز، ما هي إلا محاولة لكسر طوق تلك الأزواج الميتافيزيقية التي ظلّت تأسر الفكر الغربي، والدعوة إلى إعادة بنائه من جديد وفق إستراتيجيا لا تنظر إلى الهامش باعتباره خارج المركز، بل باعتباره النقطة التي يتخلخل عندها المركز ويبدأ عندها الاختلاف.
ويبحث رشيد الحاج صالح في دراسته “إشكالية التأسيس لنظام الحكم في الفكر الإسلامي المعاصر بين الخصوصية والعالمية” في الجدل بشأن إمكانية إقامة دولة مدنية إسلامية، أو نظام ديمقراطي إسلامي يزاوج بين قيم الإسلام وقيم الحداثة السياسية العالمية. ويعيد الباحث الأسس التي يقبل الفكر الإسلامي المعاصر بنظام حكم ديمقراطي حداثي بناء عليها، إلى اتجاهين: يؤكد الاتجاه الأول إمكانية التوفيق بين قيم الحداثة السياسية الغربية ومبادئ الإسلام، شرط إعطاء نظام الحكم خصوصية إسلامية. أما الاتجاه الثاني، فيعتقد أن الدين الإسلامي دين عالمي ذو طابع إنساني شامل ولا يضيره أن يُبحث داخله عمّ يتوافق مع المفهوم الحديث للدولة المدنية من دون أي حديث عن خصوصيات أو استثناءات تخشى على الإسلام من العولمة أو الغرب. ويشكل البحث مقاربة منهجية بين الاتجاهين المذكورين، لتحليل الأسس والمقولات التي ينطلق منها كل اتجاه، والإشكاليات التي تتفرع عن كل رؤية، والتحديات التي تواجهه.
ويتضمن العدد التاسع من دوريّة تبيّن دراسة معتز الخطيب “الفقيه والدولة في الثورات العربية: معضلة الفقيه في ظل الدولة الوطنية الحديثة” القائمة على افتراض أن مشكلات الفقه الإسلامي المعاصر ناتجة من علاقته بالدولة الوطنية الحديثة التي شكّلت قطيعة مع الموروث الفقهي، ولذلك انقسم الفقهاء في مواجهة متغيرات السلطة إلى ما اصطُلح عليه بالفقيه الحركي والفقيه التقليدي. ويرى الباحث أن تلك القسمة أخذت مع الثورات العربية شكلًا أكثر وضوحًا في الانقسام بين فقيه الثورة وفقيه الدولة. وتعالج الدراسة فكرتَها من خلال ثلاثة محاور، يقدم الأول منها قراءة للفتاوى والخطب والبيانات الصادرة في أثناء الثورات العربية في دولها الخمس، ويقدّم المحور الثاني إطارًا تفسيريًّا لهذا الافتراق بين فقهاء الدولة وفقهاء الثورة، أما المحور الثالث، فيسعى إلى نقد وتحليل مضامين تلك الفتاوى والمواقف بالاستناد إلى مرجعيتها الفقهية، ليوضح كيف أن كلا الفقيهين، التقليدي والحرَكي، تَجاوز حدود الفقه التراثي المعروف.
وفي دراسته “الدعاية الصهيونية في المغرب خلال الحماية وبعيد الاستقلال: السينما نموذجا” يتتبع الباحث محمد الناسك إدراك الحركة الصهيونية خطورة السينما في الدعاية لفكرتها، والتمكين لها منذ انطلاق الحركة، ويرصد الباحث كيف كانت السينما من بين الأدوات التي توسلت بها الحركة الصهيونية في دعايتها في المغرب، وتفترض الدراسة أن السينما كانت الأداة الأنجع في مجتمع نسبة الأمّية فيه مرتفعة، والصورة المحدد الأساسي في تشكيل الوعي الجماهيري. ويبرهن الباحث في مساهمته على تحوّل في الأنموذج لدى المغاربة اليهود، وتمثّل هذا التحول في تغيّر نظرتهم إلى أنفسهم ووضعهم كأقلية. وكان من نتائج التحوّل في الأنموذج لدى اليهود المغاربة أن استطاعت الحركة الصهيونية، بواسطة السينما التي كانت إحدى الأدوات الأساسية، تحويل ارتباط اليهود بفلسطين من ارتباط ديني إلى ارتباط سياسي، الأمر الذي سهّل مأموريتها في اجتثاث المغاربة اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين.
وفي باب “من المكتبة” تعرض تبيّن الفصل السادس عشر من كتاب إريك هوبزْباوْم: أزمنة مشروخة: الثقافة والمجتمع في القرن العشرين الذي سيصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وفي قسم المراجعات والمناقشات يتضمن العدد التاسع من تبين: “إدوارد سعيد مفكِّكًا السرد الإمبراطوري من جماليات التمثيل إلى سياسات التمثيل” للباحث محمد بوعزّة، و”برهان غليون: من نقد دولة الحداثة إلى نقد مفهوم الإسلاميين المعاصرين للدولة” لشمس الدين الكيلاني، و”البين بين رهان الكتابة الروائية وأفق القراءة النقدية” لإبراهيم عمري، و”رحلة البحث عن الذات والمعنى في رواية “وادي الظلام” لرابح طبجون، إضافة إلى عروض كتب وتقارير ندوات.
للحصول على أعداد المجلة (نسخ ورقية أو إلكترونية) أو مقالات مفردة منها، أو الاشتراك السنوي فيها، زرّ المكتبة الإلكترونية للمركز.