لوحات عصمت داوستاشي تمائم على كف مصر

لوحات عصمت داوستاشي تمائم على كف مصر

لوحات عصمت داوستاشي تمائم على كف مصر

دمشق – «القدس العربي» : في عالمٍ من الفنتازيا والسحر ملئ بأجواء ألف ليلةٍ وليلة نضيع أنفسنا ونستسلم لجنون (المستنير دادا)، نتسلل بهدوء لنمتطي سهماً من الأسهم في لوحاته وننتظر أن يحلّق بنا إلى القلب حيث الوطن والهوية والتراث النابض، إلى المحيط حيث الآخر الذي ينتظرنا، إلى الأعلى نحاول أن نطال طموحاً لا ينتهي ولا يُطال للفنان المصري عصمت داوستاشي أو المستنير دادا- كما سمى نفسه- فهو فنانٌ شامل (رسام، نحات، حفار، مصوّر فوتغرافي، قاص، وباحث تشكيلي وسينمائي) صاحب تجربة تثير الدهشة وتدعو للتأمل، خاصةً أنّ الفنان متمردٌ يحطّم الأُطر الثابتة حوله ويطير في سماء التجريب والمغامرة، نسكن نقشاً على جسد إحدى لوحاته ونحاول فكّ طلاسمها ورموزها ذات المضامين التراثية المستلهمة من تأثير الحضارات المتباينة التي كوّنت الهويّة المصرية على الفنون الشعبية وخاصةً رسوم المقابر والجداريات فلوحاته غنية بموروثات أثريّة وأيقونات قبطية وزخارف وأشكال هندسيّة مستمدة من التراث الإسلامي وفنّه المبني على التجريد والتبسيط بشقيّه الهندسي والعضوي، مفردات أخرى شعبية تجمع زخم إبداعي في قالب فطري وتلقائي يعكس شكلاً ومضموناً، أساطير وحكايات عن عالمٍ رحب ك (الطائر، القطة، السمكة، المفتاح، التمساح، الثعبان، العصفور….) تلك الرموز باختلاف جذورها أصبحت ختماً تُمهر به معظم لوحاته، حتى أن المرأة- محور العديد من أعمال الداوستاشي- تتحرك في لوحاته ضمن إطار زخرفي لوني وعلى جسدها تتحرك وشومٌ ورموز ترسم لوحةً بداخل لوحة وتحكي قصصاً عن حياةٍ تهبها المرأة للكون وللفن في آنٍ واحد.
من كلّ ما سبق ينسج الداوستاشي عالماً خاصاً به بشخصيةٍ مميزة وكأنّه يزرع نفسه داخل كلّ لوحة، أشكاله مرسومةٌ بألوانٍ قويّة بدرجاتٍ متنوعة وخطوطٍ سريالية تتشابك أحياناً كتلافيفٍ مستلّهمة من انحناءات الخط الديواني، تتسلل أحياناً ببعض الحروف للوحاته ليرسمها رسماً بتلقائية فنانٍ شعبي، فالمستنير دادا يولي اهتماما خاصاً بالخط واللون، فهما بطلاه الأساسيان في بلورة الفضاء التجريدي للوحة يعتمد عليهما كطاقة محفزة لتنويع مسارات الحركة والإيقاع وإنضاج الشكل، وإشاعة جو من الروحانية في تضاريس الشخوص مما يجعلنا إزاء حالة تشكيلية غنيّة بالشجن الإنساني، مفتوحة على طفولة الحياة وحركة الأشياء والعناصر، فالسطح عند داوستاشي معالجٌ بخطوطٍ تنبض بالحياة رغم تشابكها وتعرجاتها إلا أنها تنساب ببساطة متضافرةً مع ألوانه القوية لتمنح حيويّةً تعبيريةً للوحة تُعزّز أحياناً ببعض الزخارف في خلفية اللوحة وضمن حنايا الرسم وبرؤى فلسفية عميقة غنيّة بالترميز متناغمة الكيان، فالبناء عنده لوني وخطي، فكري وفلسفي، يكشف ويضلل، يبرز ويخفي في آنٍ واحد يتجه أحياناً إلى نوع من التصوف الديني في أعماله، فهو فنان دائم التغير والتحول تطيح لوحاته بالقوالب والأنماط بحثاً عن خصوصيته وبصمته، يقف في الحارات الشعبية يلاحظ ويدوّن، يمر أمام المساجد والكنائس ويدوّن، يخاطب الريح والضوء ويراقب البشر كباراً، صغاراً، سعداءَ، تعساء يستدعي منهم الجمال بعينه التي تقنص الروعة من أدق التفاصيل ويصنع بريشته أرشيفاً لذاكرةٍ حياتيّة تنقلنا لعالمٍ من الخيال والسحر يتراوح ما بين السيرة الشعبية والملحمة القديمة والحياة المعاشة لينقشَها بعد ذلك بكلّ ما يحمل من جنون وعظمة تمائمَ على كف مصر.
بسمة شيخو

m2pack.biz