نصيب أحمد المديني من باريس
باريس ‘القدس العربي’: منذ انتقل الكاتب المغربي أحمد المديني لإتمام أبحاثه الجامعية بباريس،في مطلع الثمانينات، ثم الإقامة، وهذه المدينة تشغل حيزا هاما في المتن الأدبي الذي يواظب عليه منذ أربعة عقود ونيف. فلقد استقرت تيمةً أساسا في هذا المتن، تعبيرا عن إحساس ذات، ومعيش كائن، وسنوات تعلم ومراس جامعي، إلى ثقافة وموضوع لاكتشاف الآخر الغربي، وتأمله في تجلياته المختلفة. وهما معا عمليتان تمران عبر انعكاس خلفي تحضر فيه باستمرار البيئة والوطن الأم، فنصبح أمام صورة مركبة، مشكلة من الجذور،هنا، والامتدادات والفروع هناك.
وهذا ما أثمر عند الكاتب عمله الأول عن هذه التيمة، الموسوم:’ كتاب الضفاف’(2002) ثم ‘كتاب الذات، ويليه كتاب الصفات’(2004). غير أن أحمد المديني، نظير كتاب ورحالة عرب، وأجانب، أيضا، وبعد عمر إقامة شاملة، تجاوزت النضج إلى الإشباع، يهدي لباريس، للقراء العرب، ولنفسه، أيضا، جواز سفر جديد لدخول هذه المدينة الإعجاز، من كل النواحي. عمل حمل عنوان:’ نصيبي من باريس′ وهو عند المؤلف بمعنى حصته، وحظه منها، يغطي في وصفه وتفاعله معها السنوات العشر الأولى من هذه الإقامة، المفعمة دراسة وعيشا وحبا.
صدر كتاب ‘ نصيبي من باريس′ أخيرا (الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة برسم سنة 2014 ،280من القطع المتوسط) وسيطرح للمرة الأولى في معرض القاهرة الدولي هذا الشهر، ثم بمعرض الدار البيضاء الدولي للكتاب في شهر فبراير. هذا العمل خلو من التجنيس في غلافه، باتفاق بين مؤلفه ودار النشر،عنوانه يُعيّنه، وضمنا هو بمثابة نص تزدوج فيه السيرة الذاتية، بالسيرة العامة لمدينة وثقافة وحياة ومدنيّة، هي في قلب العالم، إضافة إلى بورترهات لشخصيات شغلت هذا الفضاء وتمثلت ببعض ملامحه ووهجه؛ شخصيات قوية، فكريا وإبداعيا وإنسانيا. يعتبر أحمد المديني أن هذا الكتاب إذا كان يمثل قطعة حية من وجدانه وعقله، في الحياة التي اختار مركزا وأفقا، فهو كذلك، بل وبالأساس نص أدبي يظهر فيه ملمحا آخر من تجربته الأدبية، ويصوغ فيه المدينة والإنسان، بأحبار الترحل والوصف والسرد والتأمل والصورة الواقعية والاستعارة الشعرية. ببلاغة نثرية، فيما تضع هذا النص في سياق الكتابات الموثقة والرحلية المعلومة عن الغرب،وباريس بالذات(مثلا: الطهطاوي،زكي مبارك، سهيل إدريس، محمد باهي) تمنحه فرادة باذخة من ناحيتي رؤيته ونسجه، حيث يتحول نصيب كاتب إلى كتاب هو بمثابة حياة كاملة بثقافة باريسية ومشاعر ذات أصل عربي مغربي، سيرة مركبة، ومختبر أجناس ولغات، يقول عنها بالضبط:’ أستعيد باريس من البداية، وهي، مثل بنيلوب، تفك خيوط نولها لتعيد النسج، مع فرق أنني أمضي فيها قدما ولا أندم، تشعرني أنني محظوظ ومثل جدي همنغوي أعيش في ‘عيد متنقل’، وأنني إذ أكبر، لا أشيخ، أنتظر العمر القادم أبدا.’