معرض لأبرز أعمال معالي زايد في متحف مختار
القاهرة «القدس العربي» محمد عبد الرحيم: في الذكرى الثانية لرحيل الفنانة معالي زايد (5 نوفمبر/تشرين الثاني 1953 10 نوفمبر 2014)، أقيم معرض فني يجمع العديد من لوحاتها، في قاعة إيزيس في متحف محمود مختار. معالي زايد في الأساس تخرجت في كلية التربية الفنية قبل أن تتجه إلى التمثيل، وتقوم بأداء العديد من الأدوار المتميزة في السينما والتلفزيون، كذلك بعض التجارب المسرحية. وكانت لفتة موفقة من جانب قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية بإقامة مثل هذا المعرض، كمحاولة لتقديم تحية للفنانة الراحلة تستحقها، خاصة في جانب من الفن لم يعرفه الكثير من الجمهور عنها.
ومن خلال اللوحات المنتقاة في المعرض معظمها أنجزته عام 2003 نجد حالة كبيرة ومحاولة في التحرر من الانغلاق في قالب فني أو مدرسة تشكيلية واحدة، ما بين الاهتمام بالبورتريه، وبعض من التعبيرية والتأثيرية، وصولاً إلى حالة من السيريالية. فلا توجد قيود فكرية أو أكاديمية تبدو في لوحاتها، بحيث تصبح كل لوحة عبارة عن حالة بمفردها، لا يجمع هذه الأعمال إلا روح صاحبتها وإحساسها وتوتراتها، فضلاً عن الجماليات التي تخلقها في بساطة شديدة، دون تعقيد، سواء على مستوى الخطوط أو الألوان، فلا نشعر بأي محاولة للاستعراض التقني، وما حالة التلقي والتواصل مع العمل الفني إلا التفاعل مع بساطته وعمقه في الوقت نفسه.
الحركة والتكوين
رغم حالة الهدوء النسبي التي تظهر في وجوه شخوص اللوحات، إلا أنها حالة مُضللة مقصودة، تتكشف في ما بعد، عيون الشخصيات على اتساعها وهي تحدق في المتلقي، أو حتى التي تتجاهله وتنظر أمامها. كذلك يبدو توتر الخطوط من خلال العلاقة بين خلفية اللوحة ومقدمتها، من هنا يتولد إيقاع حركي داخل اللوحة نفسها، دونما افتعال، يبدو هنا أكثر عمقاً، بخلاف بعض الأعمال الصارخة بالإيقاع والحركة، كجسد المرأة الكامل في مواجهة وجه ذكوري يحتل جزءاً كبيراً من اللوحة ويصبح خلفية لها، أو عالماً تتحرك من خلاله وتحاول التواصل معه. الحركة الرصينة أيضاً أو تبدو كذلك تتخلق بداية من التباين بين اللونين الأبيض والأسود، ثم تكوين الكادر/اللوحة، حيث مجموعة من النسوة يتصدرن اللوحة، ناظرات إلى الأمام في أرديتهن البيضاء، وأمامهن مساحة كبيرة بالأسود، فقط أعلى اللوحة يتشارك معهن اللون الأبيض، تنحو اللوحة وهي الوحيدة بين اللوحات إلى الكثير من التجريد، مجرّد تشكيل لوني يحدد الأجساد والأشكال، لا ملامح ولا تفاصيل إلا بالكاد، لكن الشحنة الفنية العالية لا تخبو ولو للحظة. والتباين ما بين سكون تكوين النساء وحالة الصخب في عمق اللوحة يخلق إيقاعاً وحركة دائمين.
اللون والتقنية
في أسلوب لافت تتخير معالي زايد ألوانها، التي تعلو على واقع الشخوص موضوع اللوحة، كشعر الفتاة في لونه الأحمر القوي، أو امرأة أخرى يأتي شعرها في لون أخضر. ووجه رجل في لون أحمر وما تفاصيله إلا فجوات محدّقة بالأسود، داخل هالات من الأزرق والأحمر القاتم. كذلك تصبح الإضاءة ومصادرها من أهم مفردات تكوين اللوحة، سواء في منظر طبيعي مُحرّف عن وجوده الحقيقي، كالقارب والبحر والقمر، هذه اللوحة التي تبدو رومانتيكية في حِسها المأساوي. وكمحاولة أخرى لخلق شخوص وكأنها من مفردات تراثية أو أحجبة وأحجية في الوقت نفسه يتخلق وجه امرأة ورجل في تكوين غريب، يقارب رسومات الأطفال التي لا تحدها أي مدارس أو نظريات نقدية، رسومات حرّة، يتولد جمالها من هذه التلقائية الشديدة، والمدروسة جيداً في الوقت نفسه.
كذلك نجد في معظم اللوحات الإصرار على وجود للمسات الفرشاة الخشنة، التي بدورها تعطي حياة للوحة، السطوح دائماً ليست ملساء، هناك وجود حقيقي لضربات ولمسات الفرشاة، يشكّل مع موضوع اللوحة عالما خاص بها، وهو ما يتأكد دوماً من طبيعة الأشكال والشخوص، التي تسمو على واقعها، أو وجودها خارج دائرة الفن، أو ما يُسمى مجازاً بالواقع.