أجساد في حضرة قاسم أمين
بقلم: سيد محمود/ فوتوغرافيا: بسام الزغبي
حين جاء الفنان وليد عوني لمصر قبل ما يقرب من 25 عاما ليعمل على دار الأوبر المصرية، لم يكن أحد يعرف على وجه الدقة: ما هو المقصود بالرقص المسرحي الحديث، واعتبر البعض ما كان يقدمه على المسرح “تقليعة جديدة” أو “صرعة” كتلك التي اعتاد الفنانون اللبنانيون تقديمها وتعرض ما
يقدمه عوني للكثير من الانتقادات، غير أنه نجح تدريجيا في إحداث انقلاب في آليات تلقي العروض المسرحية.
لكن الحقيقة التي يشهد بها الجميع الآن أن الراقص اللبناني الذي عمل مع المخرج الكبير موريس بيجار نجح في عروضه الأخيرة في إثبات تفوقه وتأكيد اندماجه الكامل مع الثقافة المصرية من ناحية، ومن ناحية أخرى رسخ لما يسمى بـ “الرقص الحديث والمعاصر” في مصر. واعتمدت عروض عوني الأخيرة كلية على استعراض تاريخ النهضة المصرية من خلال التوقف أمام منجزات رموزها من أمثال محمود مختار وشادي عبد السلام وصولا لتحية حليم وقاسم أمين، والمتأمل في كل تلك العروض يلمح سمة رئيسية تقوم على الوعي البصري الفائق لصاحبها وهو الفنان التشكيلي في الأصل والذي قدم من قبل معرضا لافتا في مجمع الفنون بالزمالك، وبفضل هذا الوعي البصري الفائق استندت عروضه على جمالية بصرية استثنائية، فحركة الراقصين على المسرح هي نتاج وعي تشكيلي بالأساس، إذ ينسحب تكوين المشهد المسرحي إلى مرجعية تشكيلية في الأصل.
ومؤخرا تابع الجمهور على دار الأوبرا المصرية نسخة جديدة من عرضه “قاسم امين” وهو العرض الذي قدمه عوني في العام 2010 لكن السؤال: لماذا عاد وليد لعرض ينتمي لماضيه؟ وهل كانت هذه العودة نوعاً من الحنين أو “ربيرتوار”؟
في الحقيقة هناك فارق واضح بين النسختين، حيث قدم العرض الأول في فترة تاريخية لم تشهد فيها مصر تجربة حكم جماعة دينية لها مفاهيمها في التعامل مع ثقافة الجسد، ومن ثم فالخبرة الجمالية في النسخة الأخيرة مختلفة، مثلها مثل الرسالة السياسية، فالرسالة التي ارتكز إليها العرض الأول كانت تحذيرية،