الأصل والصورة!
بقلم: أ. د. جيهان زكى
“الموضة” كلمة براقة ترصع الوجدان بومضات متلألئة وتغمره بباقات من الزهور المعطرة فلها نكهة ذات مذاق فريد ورحيق طيب كالعسل، وترن حروفها الستة الساحرة الساكرة على الأذن وكأنها مقامات الطرب الأصيل في ليلة مقمرة، فيملأ صداها الصدور والقلوب بنسمات النشوة والحرية
“الموضة” كلمة عريبة، نجدها في معجم اللغة العربية المعاصرة بمعنى “ابتكار نماذج جديدة من اللباس ووسائل الزينة”، وبالرغم من عربيتها فهواها غربي لا محيص… أردنا أم لا، فحاضرنا وواقعنا يدمجها معًا.. فالموضة هي الغرب والغرب هو الموضة!
أما في مجتمعنا الشرقية، يكفي أن تصف امرأة بأنها “عالموضة” لتبعث فيها روحًا جديدة وترسم على وجهها لإشراقة متلألئة، على النقيض، يكفي أن يهمهم أحد من حولها “دي مش ع الموضة” ليطيح بهاليس فقط خارج دائرة الموضة ولكن خارج كادر الحياة مجازًا!
يلهث الجميع وراء الموضة التي تبدو أحيانا كالسراب، كلمنا يقترب منها شخص ليقتنصها تختفى ويشعر وكأنه يعدو في الفراغ، وأحيانًا أخرى تبدو “الموضة” من العالم الآخر، مبهرة الجمال ممشوقة القوام، زفيرها المعطر وهفهفة ردائها الشفاف وسحر خطواتها الواحدة تلو الأخرى، تفتح آفاق الإبداع وتضبط إيقاع كل نساء العالم.
عطر نفاذ، نسيج فاخر، قوام فارع، نظرات شامخة وكأنها تبغى الخلود، خطوات دقيقة تكاد تتواءم مع دقات الساعة، مقتنيات منمقة بين الأيدي، على الرأس أو أحيانًا مسحوبة بأطراف الأنامل وكأنها جزء من الكل
ماذا أصف هنا؟
أعرف ردك مسبقًا…
فأنت تحسبني أتأمل صورة عارضات الموضة في ديفيليه أحد بيوت الأزياء الباريسية وأصفهن بتأن
ولكن عزيزي القارئ المصري، إنني لا أصف لك هذه الصورة الباريسية الأسطورية لعرض أزياء بل أصلها، وأصلها عندك أنت… وملكك أنت.. يكفى أن تبحث عنه لتجده في إرث جداتك اللاتي لم يتهاون ولم يكلن ولم يملن في تسجيل وتوثيق صفحات حياتهن اليومية على الجدران والبرديات.