التنمية ما بين التوازن والتكامل1من اصل6

د. هشام أحمد أمين مختار
أستاذ التخطيط القومي والتنمية العمرانية
التنمية هي التطبيق العملي لخطة تستهدف تغيير الواقع، ملموسًا كان أو معنويًا… وللتنمية مجالات
متعددة دائما ما تتأثر ببعضها البعض، فالتنمية العمرانية لا يمكن فصلها عن التمية الاقتصادية التي
بدورها لا تنفصل عن التنمية الاجتماعية وجمعهم معها يغير من البيئة شكلا ومضمونا… والتنمية
الطبيعية، أي تلك التي تحدث تغييرًا فعليًا على واقع الأرض، هي دائمًا رأس الحربة التي تشق
المسار لكافة مجالات التنمية الأخرى… فشق طريق في منطقة غير مأهولة يفتح آفاق تنميتها
عمرانيًا أو زراعيًا أو صناعيًا أو حتى سياحيًا، بكل ما يعنيه ذلك من إحداث لتنمية اقتصادية وتعديل
في التركيبة الاجتماعية… نفس الأمر عند شق ترع أو مصارف أو مد لشبكات المرافق والبنية
الأساسية أو إنشاء لميناء أو مطار.
تطرقنا في مقالنا الماضي “التخطيط القومي الشامل- مقدمة ومفهوم” لضرورة التخطيط لصياغة
المستقبل بنظرة شاملة جامعة… فكل شيء في هذه الحياة مرتبط ببعضه البعض، يؤثر في غيره
ويتأثر به كما الأواني المستطرقة، فبعض أنابيبها يرتفع منسوب التنمية بداخلها على حساب غيرها
التي تتراجع فيها حركة النمو، إنما طبيعة الأمور تدفع دومًا تجاه التعادل والتوازن… وتستمر
رقصة التوازن تلك طوال الوقت وأبدًا دون لحظة سكون، مجال للتنمية يلاحق مجالا سبقه
فيضطره للتباطؤ والتلكؤ حتى يلحق به… إنما الواقع أكثر تعقيدًا من أن يتحقق هذا التوازن للحظة
واحدة، فمجالات التنمية لانهائية والعوامل المحيطة بها لا تتوقف عن دفعها للحركة في اتجاهات
متباينة…
ومن هذا المنطلق، فالتنمية هي الأخرى يجب تفهم حتمية شموليتها وعدم إمكان قصرها على مجال
بعينه… إنما قبل التطرق لمفهوم عدالة التنمية يجب التفرقة ما بين النمو والتنمية، فالنمو في حد ذاته
هو تغيير بالزيادة بينما التنمية قد يصاحبها نقصانًا… فالتكثيف لمنطقة عمرانية قد يزيد من قدرتها
الاستيعابية على الرغم من النقصان الذي يحدثه في نسبتها البنائية ليتيح حركة التنمية في اتجاهات
أخرى كالمناطق الخضراء أو الترفيهية…