الفصل الثاني
دمج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي
(1760 – 1882 )
أتى تأسيس بنك مصر عام 1920 ليمثل لتفاعلات بين قوى سياسية واجتماعية في المجتمع المصري طيلة القرن التاسع عشر . ولفهم هذه التفاعلات يجب تسليط الضوء على طبيعة العملية التي تم من خلالها دمج مصر في الاقتصاد العالمي من خلال التوسع في زراعة القطن طويل التيلة ، وهي العملية التي كان لها تداعيات عدة ، فهي ـ أولاً ـ أسفرت عن تراكم واسع النطاق لرأس المال لدى شريحة تقليدية من الأعيان ـ يأتي في مقدمتهم العمد والمشايخ . كما أنها ـ ثانياً ـ ساعدت على خلق وعي مشترك بين أفراد هذه الشريحة الاجتماعية نتيجة لتحولهم من الاعتماد في دخولهم إلى المحاصيل النقدية عوضاً عن محاصيل الإعاشة ، وكذا هجرتهم إلى المراكز الحضرية كالقاهرة والإسكندرية . كما ساعدت هذه العملية ـ ثالثاً ـ على التقريب بين النبلاء المصريين والطبقة الحاكمة من الأتراك ـ الشراكسة وهو ما نتج عنه طبقة من الأتراك ـ المصريين . وأخيراً فقد نشأ عن عملية الدمج هذه تراجع القوة الاقتصادية والسياسية للنخبة المكونة من الأتراك ـ الشراكسة المتمركزة حول خديوي مصر . وقبيل استعراض هذه العملية ونتائجها باستفاضة ، قد يكون من الضروري التمهيد لها من خلال تسليط الضوء على الحقبة التاريخية التي تمت إبانها .
فالخاصية الرئيسية للتوسع التجاري الذي حدث في القرن الخامس عشر كان خلق سوق عالمي متكامل يقوم على تقسيم العمل على مستوى عالمي . وبالمقارنة بالعلاقات التجارية غير الثابتة التي كانت تتم بين قارات العالم في فترات تاريخية سابقة ، فقد كانت هذه المرحلة الجديدة في شكل العلاقات التجارية العالمية نتيجة مباشرة لتحول أوروا من نمط الإنتاج الإقطاعي إلى نمط الإنتاج الرأسمالي . وكانت المحطة الأولى في هذا التوسع التجاري من نصيب أمريكا اللاتينية ، حيث اتسع نطاق التعامل التجاري ليشمل توريد المواد الأولية ـ كالقهوة ـ