الثورة الخفية
غزت الآلات المصنع منذ زمن بعيد، ولكن بعيدا عن العامة تجري الآن موجة مخالفة، حيث تتم أتمتة المهام الفكرية.
بقلم كونستانسة كورتس وفرانك ريغر
تتحكم الآلات بمسيرة حياتنا اليومية منذ زمن بعيد، يتمتع الإنسان منذ آلاف السنين بالمعرفة والمقدرة على الاستفادة من حركة الرياح والماء، وهو ما ساعد على تسهيل أمور حياته وتجعل عمله أكثر إنتاجية، آلات أفضل وأسرع وأكبر استطاعة، وآليات تزيد قوتنا أضعافا مضاعفة، منذ بزوغ شمس عصر الكومبيوتر يزيد هذا الكومبيوتر من مقدرتنا الفكرية، ويزيد كمية المعلومات المتاحة وتنوعها واختلاف طرق معالجتها، كما يتيح بناء أنظمة جديدة باستمرار، تتجاوز في تعقيداتها مقدرة الفكر الإنساني مرات ومرات.
مستوى التقنية كان يساهم في تحديد بنية المجتمع وطبيعة العيش المشترك والاتصالات والعمل والأوضاع الاقتصادية، بل وكان في بعض الأحيان يؤثر فيها بشكل مباشر تماما، وفي كل مرة كانت تنجح فيها موجة تقنية جديدة في غزو حياتنا اليومية، كان ذلك يقود إلى تغيرات جذرية، تجلت نتيجتها في الكثير من الأحيان في المعاناة والشقاء والظلم وقلب معايير القوة، كما تجلت أيضا في رفاهية جديدة وفي تسريع عجلة سير الأمور اليومية، أو في مزيد من الرخاء والراحة، أساليب الحياة والعمل والتفكير الراسخة المتأصلة كانت تتحول أحيانا إلى أساليب بالية، خلال بضع سنوات فقط مهارات ومعارف مكتسبة على مر السنين، أصبحت بين عشية وضحاها بلا أية قيمة، أحد أهم المشكلات التي نواجهها في هذا العصر هي الإجابة على سؤال، حول كيفية التعامل مع المتغيرات التقنية التي تتولد عن اعتماد الرقمية (ديجيتال) وتعقيدات التشابك، وعن تسريع الاتصالات ومعالجة المعلومات وعن التوسع في الأتمتة وزيادة “مستوى ذكاء” ألغوريتمات (خوارزميات).
فور أن يصبح الرجل الآلي (روبوت) قادرا على القيام بالأعمال التي يقوم بها اليوم العامل الواقف أمام سير الإنتاج المتحرك في بلدان الدخل المنخفض، وبذات المرونة في العمل ، فإن صورة الاقتصاد العالمي وشروط اللعبة الدولية سوف تتغير بشكل جذري، ونشهد الوم عودة الاتجاه إلى الإنتاج في مواقع قريبة من الأسواق النهائية في العديد من القطاعات الإنتاجية، الصناعات التي تتميز بسمتوى عال من الأتمتة، كما في قطاع صناعة السيارات على سبيل المثال، تبنى منذ سنوات مصانع جديدة على أبواب أسواقها النهائية الكبيرة، وكلما انخفضت نسبة مساهمة الأجور (قوة العمل) في تكاليف الإنتاج، ازدادت أهمية العوامل الأخرى في تحديد مكان الإنتاج، تكاليف النقل، والبنية التحتية وشبكات الطاقة والعوامل البيئية وتوفر العمال المؤهلة والأنظمة الضريبية والاستقرار السياسي وغيرها من العوامل الناظمة والمؤثرة، تلعب في نهاية المطاف دورا أكبر في تحديد الربحية من دور أجور اليد العاملة، رأس المال اللازم من أجل قيام الاستثمارات الضرورية التي تتيح اعتمادا أقل على اليد العاملة يتحول تدريجيا إلى عنصر الإنتاج الأهم.