بريطانيا تغري الشركات الأجنبية بالبقاء عبر خفض الضرائب 15 %
بخلاف كل التوقعات التي سادت النقاشات الاقتصادية، في أعقاب تصويت الناخب البريطاني لمصلحة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وبخلاف التصريحات السابقة لوزير المالية البريطاني جورج أوزبورن، بأن المملكة المتحدة لن يكون أمامها في المرحلة الجديدة، غير سد العجز الحالي في الميزانية عبر خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب، فاجأ أوزبورن الجميع بالتعهد بخفض الضرائب على الشركات وذلك بهدف استبقاء المؤسسات القلقة بعد الاستفتاء، وتشجيع المستثمرين على مواصلة الاستثمار في البلاد.
الوزير البريطاني الذي يستعد – كما يقول – لترتيب حقائبه وركوب الطائرة متوجها إلى العالم وتحديدا الصين، على أمل النجاح في فتح أفق جديد للاقتصاد البريطاني، أكد أنه سيخفض الضرائب على الشركات من 20 في المائة حاليا إلى 15 في المائة، وتلك الخطوة – إذا تمت – سيكون من شأنها أن تجعل ضرائب الشركات في المملكة المتحدة الأقل بين البلدان المتطورة.
وأشار الوزير البريطاني إلى أنه يرغب في إرساء “اقتصاد يتمتع بقدرة تنافسية فائقة” مع خفض الضريبة على الشركات، ما سيجعل بريطانيا تملك الضريبة الأقل في القوى الاقتصادية الكبرى، مضيفا أنه يجب أن نبقى مركزين على الأفق وعلى الطريق أمامنا لأجل الإفادة من الوضع القائم.
وهذا الإجراء الذي سيقلص الفارق مع ايرلندا المجاورة حيث تبلغ الضريبة 12.5 في المائة، يشكل عامل جذب كبير، ويأتي في الوقت الذي تفكر فيه الشركات في مغادرة المملكة المتحدة بسبب الشكوك القائمة بشان العلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
وأدى استفتاء 23 حزيران(يونيو) الذي قرر فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي، في حينه إلى انهيار الجنيه الاسترليني أمام الدولار وزلزال في الأسواق العالمية، ورغم استعادة البورصات بشكل واسع ما خسرت لكن الشركات ما زالت قلقة من فقدان بريطانيا إمكانية الدخول الحر للسوق الأوروبية المشتركة.
لكن تعهدات الوزير البريطاني، أثارت من التساؤلات أكثر مما قدمت من إجابات أو حلول، لعدم الوضوح والضبابية التي تهيمن على المملكة المتحدة سياسيا واقتصاديا منذ إعلان نتيجة الاستفتاء.
جون بريتون كبير المحللين الماليين في المجموعة الأوروبية للاستثمار، يعتبر أن تعهد أوزبورن في حاجة إلى إعادة النظر فيه، في ضوء الجوانب السلبية التي يمكن أن تنتج عنه، ويوضح ل “الاقتصادية”، أن هذه الخطوة تبدو للوهلة الأولى صحيحة في تشجيعها للاستثمارات الأجنبية، لكن علينا أن نتذكر أن العجز الراهن في الميزانية البريطانية، لن يمكن سداده إلا عبر المزيد من الاستثمارات والمزيد من الضرائب، وإذا التزم أوزبورن بتعهده بخفض الضرائب على الشركات وجذب الاستثمارات الأجنبية وزاد من الاستثمارات المحلية، فلن يكون أمامه غير رفع الضرائب على المستهلكين، وهذا يعني زيادة حالة التململ السياسي في المملكة، والأهم انخفاض الاستهلاك والطلب المحلي، وهذا الوضع يمكن أن يقود إلى ركود اقتصادي، خاصة إذا فشلت لندن في توقيع اتفاقيات تجارية ضخمة تمكنها من زيادة معاملاتها التجارية مع العالم الخارجي.
لكن مسؤولين دوليين اعتبروا أن خطوة أوزبورن ستزيد حالة الاحتقان مع الاتحاد الأوروبي، وبما يؤدي إلى ردود فعل عنيفة من بلدان مثل ألمانيا وفرنسا، فتطبيق وزير المالية لتعهده يعني أن بريطانيا تسعى لسحب الاستثمارات من البلدان الأوروبية وجذبها إلى أراضيها، وأنها تخطط للخروج من الاتحاد دون أن تبلغ بروكسل بأنها تريد الخروج فعليا منه، كما أنه لا يتوقع أن تقف أوروبا صامته أمام مثل هذا الخفض الضريبي، لأنه يعني باختصار أن لندن خطت أول خطوة في ماراثون مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي دون أن تخطر قادته.
ومع هذا، يشيد الدكتور تشارلز بار أستاذ الاقتصاد المقارن في جامعة إيست لندن وأحد أبرز الداعمين لتيار مغادرة الاتحاد الأوروبي بموقف أوزبورن، ويصرح ل “الاقتصادية”، بأن تعهد أوزبورن خطوة على الطريق الصحيح، فهي تتفق تماما مع استراتيجيته لجعل الاقتصاد البريطاني فائق التنافسية، كما أنها تتسق مع تعهدات سابقة له في آذار (مارس) الماضي بخفض نسبة الفائدة على الشركات بنسبة 17 في المائة، وحينها لم تعترض بروكسل. ويخشى بعض المختصين أن يؤدي التعهد البريطاني بخفض الضرائب على الشركات إلى زيادة حدة المأزق الاقتصادي الراهن، فالعديد من الشركات الدولية لا يحكم قرارها الاستثماري الضرائب المفروضة عليها، بقدر ما قد يحكم قرارها حجم السوق الذي سيستوعب منتجاتها، ولا شك أن بريطانيا كانت تمثل نقطة جذب للعديد من الشركات الدولية، خاصة من الصين والهند، باعتبارها مركز انطلاق إلى داخل أوروبا وبما يمكن تلك الشركات من الاستفادة من السوق الأوروبي الذي يبلغ عدد مستهلكيه 500 مليون نسمة.
وفي الحقيقية، فقد ترافقت تعهدات أوزبورن مع تغيرات أخرى من قبل بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، أثارت جدلا في الأروقة البريطانية، فتقارير البنك تشير إلى أنه سيقوم خلال هذا الأسبوع بخفض المبالغ المالية التي يحتفظ بها كاحتياطي مالي باعتبارها شبكة أمان في حالة الأزمات.
وتشير فكتوريا كورن المختصة المصرفية، إلى أن تلك الخطوة تعكس بوضوح مدى الثقة والقوة التي يتمتع بها النظام المصرفي والاقتصادي البريطاني، وأنه من المستبعد أن يتعرض لهزة حقيقية.
إلا أن ديفيد هيوم الاستشاري في مجموعة “ويست نيت” المصرفية يعتقد أن هذا القرار متسرع ويوضح أنه من المبكر أن يقدم مارك كارني محافظ البنك المركزي على تلك الخطوة الآن، ففي حال قيام لندن بإبلاغ الاتحاد الأوروبي بنيتها في الخروج منه، وقيام أوروبا باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية، فإن النظام الاقتصادي ككل سيتعرض لهزة، وتحديدا القطاع المصرفي الذي سيتعرض لضغوط شديدة، وقد يكون من ضمتها رغبة العديد من الشركات في تصفية أعمالها والانسحاب من السوق البريطاني.
وكانت الواقعية الاقتصادية كما وصفها أوزبورن في أعقاب الاستفتاء قد دفعته للتخلي عن الأهداف التي حددها سابقا لحكومته، وأبرزها تحقيق فائض في الميزانية بحلول عام 2020، إذ يبدو هذا الهدف بعيد المنال في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، حيث اقترضت الحكومة البريطانية ما قيمته 74.9 مليار استرليني العام الماضي.
وخلال الشهرين الأولين من السنة المالية الجديدة وهما نيسان (أبريل) وأيار (مايو) (السنة المالية في بريطانيا تبدأ في 1 أبريل من كل عام وتنتهي في 31 مارس)، بلغ معدل اقتراض الحكومة البريطانية 17.9 مليار استرليني بزيادة 200 مليون عن ذات الفترة من العام الماضي.
وأشار فيكتور فينسن المختص الاقتصادي إلى أنه من المتوقع ارتفاع معدلات الإقراض للحكومة البريطانية، كسبيل آخر لتجنب زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام، كما يمكن أن تقترض للقيام بمشروعات ضخمة ثم بيعها للقطاع الخاص، لكن المشكلة أنها لن تستطيع الاقتراض للأبد، وسيكون بمقدارها الاقتراض حتى عام 2020 بعد ذلك، وعليها أن تقوم بالسداد، وهذا يعني أن سياسة التقشف التي كانت أحد العوامل التي حفزت الرأي العام على مغادرة الاتحاد الأوروبي، ستطاردنا إذا ما خرجنا من التكتل.