الموضوع ٣٠ -٣ الأساس الفيزيائي للشخصية 1من اصل7
ثمة أبحاث تجرى حاليًّا تهدف لوصف الأساس البيولوجي والفيزيائي والجيني والكيميائي أو الفيزيائي – إذا ما أردنا اختصار كل هذا بكلمة واحدة – للسمات
الشخصية وأود التطرق إلى هذا الموضوع بوصف كل بعد من الأبعاد الخمسة الكبرى للشخصية بأنه يحتوي على “نظام يقظة”: أي مجموعة معقدة من العوامل
الفيزيائية التي تتكاتف معًا لتحديد العتبة التي يغلق عندها الفرد تفضيلًا لسلوكيات بعينها عند طرف البعد ويبدأ في تفضيل النقيض. على سبيل المثال ترتبط
عتبة الانبساطية – الانطوائية بالنقطة التي يكتفي عندها المرء من الحشود الضخمة والصاخبة وقذرة الرائحة ليبدأ في اشتهاء الوحدة والعزلة.
وبوسعنا أن نتخيل أن نظام اليقظة هذا يحتوي على “عبوتي وقود” مكونتين من طاقة متعارضة ولكنهما تكملان بعضهما: العزلة في مقابل المجتمعية والسكون
في مقابل النشاط والعفوية في مقابل المنهجية وما إلى ذلك. وعليه عندما يستهلك الشخص كل “وقوده” للقيام بسلوك متطرف واحد وليكن المجتمعية مثلًا
فإنه يشعر كأن وقود المجتمعية لديه قد نفد وأنه لا يملك أدنى قدر من الطاقة ويحتاج إلى الانتقال إلى عبوة الوقود التكميلية ل “العزلة”. فبعد قضائي يومًا
بصحبة الآخرين أجد نفسي بحاجة للبقاء وحيدًا ودس رأسي داخل كتاب. مثال آخر: زرت ذات مرة مدينة نيويورك بصحبة شقيقتي الصغرى – والتي تبلغ من
العمر ٧٨ عامًا – بالإضافة إلى زوجتي وبناتي وزوج شقيقتي وابنتهما. وكنا هناك لحضور عرض تمثيلي لابنتي الكبرى خارج برودواي. إن مستوى التفتح على الخبرة
لديَّ عالٍ جدًّا وهو عالٍ كذلك لدى شقيقتي ولكنه ليس عاليًا للغاية مثلي. فكلانا يحب كل ما هو جديد ومنذ وصولنا في مساء الخميس جربنا كل المطاعم
العرقية التي تشتهر بها نيويورك: الفرنسية لتناول العشاء والبولندية للإفطار والهندية للغداء والبرازيلية للعشاء وما إلى ذلك. وفي أثناء استقلالنا الشاحنة
في صبيحة يوم الأحد للعودة إلى كارولينا الشمالية استدارت شقيقتي وسألتني: “ألا نستطيع يا أخي الأصغر أن نتناول طعامًا أمريكيًّا على الغداء؟” –