الرواية والسياسة بين عبد الرحمن منيف وغالب هلسا

الرواية والسياسة بين عبد الرحمن منيف وغالب هلسا

الرواية والسياسة بين عبد الرحمن منيف وغالب هلسا

■ من يطلع على حياة كلا الروائيين عبد الرحمن منيف وغالب هلسا يجد تشابهًا غريبًا بينهما، سواء في النشأة والحياة، أو في الظروف التي مرّا بها، أو في عالمهما الروائي والفكري؛ فالاثنان ولدا في الأردن، وفي فترة متقاربة؛ فعبد الرحمن منيف ولد في عمان عام 1933، وغالب هلسا ولد في قرية ماعين بالقرب من مدينة مأدبا في جنوب عمان عام 1932، وقضى كل منهما المرحلة الثانوية في عمان، ثم الجامعية في الخارج، إذ التحق منيف بجامعة دمشق ليدرس الحقوق، ثم ذهب إلى القاهرة ومنها إلى بلغراد ليحصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط. أما غالب فانتقل إلى بيروت ليدرس في الجامعة الأمريكية ثم إلى القاهرة ليدرس الصحافة والإعلام.
والاثنان دخلا ميدان السياسة الحزبية، وعاشا حياة المنافي، والتنقل في الأقطار العربية؛ فعبد الرحمن منيف انتمى لحزب البعث، أما غالب فالتحق بالحزب الشيوعي الأردني، ولقي الاثنان من جراء هذا الانتماء السجن والنفي والتشرد فعبد الرحمن منيف طُرد من بغداد، ثم ذهب إلى مصر عام 1957، وانتهى به المطاف إلى الإقامة في دمشق متفرغًا للكتابة حتى وفاته فيها عام 2004، وكذلك غالب اعتقل في بيروت، وطرد من بغداد ثم من القاهرة، وانتهى به المطاف في دمشق حتى وفاته فيها أيضًا عام 1989. ولعل هلسا الروائي الوحيد الذي سجن في أكثر من بلد عربي بسبب مواقفه الفكرية. توفي الاثنان في دمشق بعيدين عن وطنيهما، وإذا كان عبد الرحمن منيف دفن في دمشق بعيدًا عن وطنه الأم السعودية، فإن هلسا نُقل جثمانه ليدفن في عمان.
وجه الغرابة أن الاثنين لم يحظيا برضى السلطات السياسية في بلادهما أثناء حياتهما؛ ففي السعودية لم يسمح بدخول روايات عبدالرحمن منيف، خاصة روايته خماسية «مدن الملح» إلا مؤخرًا في معرض الرياض عام 2012. كما أن غالب هلسا لم يفرج عن رواياته، ويسمح لها بأن توزع في وطنه الأردن إلا بعد وفاته، كما أن السلطة السياسية اعتذرت إليه، وأبدت ندمها على موقفها السابق منه حين قامت وزارة الثقافة بدعم نشر أعماله الروائية، لتصدر عن دار أزمنة عام 2003، كما منحت الدولة جائزتها التقديرية لإسمه عام 2007. ومن أوجه التشابه بين عبدالرحمن منيف وغالب هلسا أنهما دخلا عالم الرواية من باب السياسة، فقد تناول عبد الرحمن منيف في رواياته عذابات السجن، خاصة في رواياته: «الأشجار واغتيال مرزوق»، و«شرق المتوسط»، و«الآن هنا». وكذلك غالب هلسا فلا تخلو من تجربة السجن والحياة الحزبية أي رواية من رواياته السبع: «الخماسين»، و«الضحك»، والبكاء على الأطلال»، وسلطانة»، و«السؤال»، و«ثلاثة وجوه لبغداد»، و«الروائيون»
لقد انصب أدب عبد الرحمن منيف وغالب هلسا الروائي على الواقع الذي عايشاه، وتبنيا فيه الدعوة إلى عالم تسوده العدالة والحرية. وامتاز أدبهما بالجرأة في تناول الواقع ونقده. وكان لهما دور مهم في تطور الرواية العربية، والتأثير في الروائيين العرب في الأقطار العربية كافة. وإذا كان غالب هلسا في رواياته قد مال إلى الحداثة الروائية فإنه يلتقي مع عبد الرحمن منيف في تناول الواقع العربي ومشكلاته. لعل المتابع لمسيرة هذين الروائيين، وما أنتجاه من أدب وفكر، وما لقياه من ظلم ونفي ضرورة تقبل المجتمع لأدبائه وروائييه، والتسامح إزاء ما يبدو في أدبهم من جنوح الفكر، بل ضرورة الاستنارة بالأدب، خاصة الرواية؛ لأنها الترمومتر الدقيق لقياس توترات المجتمع وتذبذباته. فمن الأجدى لمجتمعاتنا أن تعترف بأهمية الروائي، وعدم الاصطدام معه؛ فما من روائي اضطهد وصودرت رواياته إلا وأعيد إليه الاعتبار، وغالبًا بعد فوات الأوان؛ فلماذا نبدأ الأمور من نهاياتها؟
٭ كاتب من الأردن

m2pack.biz