الجوع البريء ..
كغيرهِ من سكان سوريا الفقراء خرجَ أبو أحمد يبحث عن وجبة غَداءٍ تقيتهُ وعائلته المؤلفة من زوجة وطفلين، بحث عمّن يبيعه بالدين مكوناتِ وجبةٍ رخيصة الثمن فلم يجد لدى الباعة ما هو رخيصٌ أصلاً حتى يحاول استعطافهم بطلب الاستدانة، أرخص ما وصل إليه هو القول ‘نسيت النقود في المنزل’.
عاد إلى منزله يجر أذيال الخيبة كما الأيام السابقة ..
أمل واحد كان في جعبته، فجاره رجل ميسور الحال طيب القلب يعلم سوء أحوال جيرانه فيجعل لهم كل يوم حصةً من وجبة بيته طالما اعتمدها أبو أحمد كوجبة وحيدة، لكن غيابه بالأمس أرَق الزوجة فدفعته للبحث عن وجبة بديلة ..
جلس أفراد العائلة منتظرين بفارغ الصبر قدوم الجار، ‘لابد أن يصل اليوم، بالأمس لم يسكب لنا طبقاً وليس من عاداته الغياب يومين’ قال أبو أحمد لطفليه.
انتظرت العائلة طويلاً ولم يصل. الساعة الرابعة عصراً والأطفال يتضورون جوعاً ..
لم يفقد أبو أحمد الأمل من مجيء جاره لكنه يخطط في المطبخ برفقة زوجته لحيلة ينسى معها الطفلان عناء الجوع ..
وجد أبو أحمد الحيلة أخيراً واتفق مع زوجته على تطبيقها !
حمل أبو أحمد القِدر وتبعته أم أحمد بما تبقى من صحونٍ وملاعق ..
جلسا أرضاً أمام الطعام المزعوم وأجلسا طفليهما، فتح أبو أحمد القِدر الفارغ وقال لطفليه: هذه وجبتنا اليوم،
بدأ يتظاهر بأنه يأكل وأن ما يأكله لذيذ الطعم، نظر الطفلان باستغراب لوالدهما إلى أن بدأت الأم بالأكل هي الأخرى.
‘هل أسكب لكما؟’ سألت أم أحمد طفليها ..
أجابا بالموافقة، انطلت الحيلة عليهما رغم عدم رؤيتهما إلا الهواء، سكبت أم أحمد عدة ملاعق من الهواء في صحنيهما ..
أخذ الطفل الأول يأكل وتبعه الآخر، كانا يأكلان بصمت مخفيان استغرابهما لرؤية الأب والأم يأكلان الهواء بنهم وتلذذ مع أنهما لم يجدا ذات الشعور.
دقائق قليلة من الأكل مرت بهدوء …
لحظة ..!
الطفل الأصغر يشعر بألم في بطنه يزداد شيئاً فشيئاً ….
الطفل الأكبر أيضاً بدأ يشعر بذات الألم، زاد ألم الطفلين وعلا صوتهما ..
شعر الوالدان بالخوف وبتكبيل اليدين ..
لم تمض فترة بسيطة حتى سقط الطفلان أرضاً دون كلام أو حركة ..
حاول أبو أحمد يائساً طمأنة زوجته: ‘إغماء بسيط لا تخافي فجوعُ يومين كفيلٌ بإسقاطهما أرضاً’.
مسكين ٌ أيها الفقير السوري ظننت أن الجوع هو السبب في سقوط طفليك وما علمتَ إلى الآن أن الهواء أيضاً لم يعد يصلح كوجبة للفقير منذ أصبح الهواء السوري بطعم التي إن تي ..!