انحباس القول في خرائب الوقت
ونحن نقارب ظاهرة الانحباس الإنساني، التي تعاني منها الفضاءات الكونية بشقيها الخاص والعام، سيكون من الصعب تحديد الحيز الزمني الذي سيخلد فيه الخطاب إلى الصمت – ولو مؤقتا- لاسيما وأن الظاهرة تؤكد مشروعية استمراريتها وهيمنتها على القناعة، على اللغة والذاكرة ومختلف أنماط الوجود داخل الهواء وخارجه، وهو ما يترجم في التصاعد الملموس لوتيرة التواصل الصدامي، الذي يعتبر واقعا مأساويا من الصعب إنكاره، حيث يمكن تحديد مصدره في الوجود القسري والاضطراري لعدة أصوات متنافرة الإيقاع في تضاعيف فضاء مغلق، خاصة أن الفضاء ذاته، يلزم هذه الأصوات بالاندماج في إيقاعه ضدا لمبدأ اختلافها وتنوعها، وهو اندماج محكوم بآنيته، ومتربص بلحظة كسر الطوق عن هذا الفضاء، كي يعود ومن جديد كل صوت إلى موقعه، منتصرا لطروحاته ومرجعياته.
فالفضاء المغلق يلغي كل إمكانية لحرية التعبير، حيث تكون فكرة البوح مغامرة غير مأمونة الجوانب، ما دام البوح كموقف، أو كاختيار، بمثابة إعلان صريح عن حضور اختلاف حاد وصادم، لا يقوى الفضاء المغلق على تحمله، تبنيه أو احتوائه، لذلك فإن التواصل في الفضاء المغلق، يكون في أول الأمر متلكئا، حيث يحرص كل طرف على جس نبض الطرف الآخر، للتأكد من طبيعة اللغة المتبادلة، بضبط المرجعيات والخلفيات الفكرية، المقاصد والمقالب والنوايا أيضا، وهو ما يدعو للتراجع عدة أميال إلى الوراء قبل التفكير في القيام بأي مبادرة، حيث يكون صوت التوجس خفيضا، وقابلا لأن يلوذ بصمته المطبق، أو أن يتحول إلى صرخة أو ضحكة مكتومة، وفقا لما تقتضيه إكراهات مسار التواصل والقول. ومن المؤكد أن انغلاق الفضاء المؤدي إلى الانحباس الإنساني، يعود إلى تفشي ظاهرة أمية التواصل، فضلا عن ضراوة التخلف المستبدة بمحيطه، الذي تتحكم فيه تلك الشرذمة المسكونة تاريخيا بجوعها اللاأخلاقي القديم، والتي تجد ضالتها المنتقاة داخل الفضاءات المغلقة، من خلال تنكرها في إهاب القديسين الذين يتظاهرون بالتصدي لأسباب انغلاقها والتساؤل ببراءة الذئب، عن العوامل المؤدية إلى ظاهرة الاحتباس الإنساني. والحال إنها هي السبب المركزي والمباشر في إحداث هذا الانغلاق الخانق والناتج عن اختلاقها الدائم لمختلف أنواع التوترات السياسية الثقافية والاقتصادية، التي تحبط أي إمكانية لاستشراف الفضاءات المنفتحة على جمالية تواصل مضيء، فصيح وفعال.
شاعر وكاتب من المغرب
رشيد المومني