وجدت سعادتي… مع الحمير! 3من اصل4
فوضع إرادته وغرامه وبهجته ومرحه وحبه للعب والمعابثة في حرز مكتوم في قلبه، وأحنى رأسه وأذنيه وسبل ضهره، واستسلم بلا قيد ولا شرط.
قال نفسه: “فلتحسبن أن الذي يعيش في جلدك هو حمار غيرك، ولتبق لي روحي لا يعلم بسرها إلا خالقي”… للبقرة عين غارقة في أحلام لذيذة، وللجمل عين ترقب الدنيا من عل بتوجس وغضب مكتوم، كأنما يخشى أن تلحق بكبريائه إهانة على يد حقراء، وللحصان عين تنم عن الخيلاء والنبل والذكاء، تعكس الضوء بالليل فتتقد كالياقوتة الحرة، وللتيس عين فيها العناد كله وإضمار الخبث والمؤامرات، وللجاموسة عين منطفئة لا تنبعث منها حياة ولا إرادة إلا وهي أم ترضع طفلها فينعقد سباتها على الحنان. لم أر جاموسة تنطق بمعنى إلا مرة واحدة لا أزال أذكرها، كانت تسير تبرطش في الطريق وتخلف عنها وليدها. فوقفت وأدارت رأسها إلى الخلف ونادته إليها بخوار غليظ، سأحدثك فيما بعد عن جاموسة تحتضر وتنظر إلى صاحبها وفي يده سكين. أما الحمار فإنه عينه ذليلة حزينة، تكاد تترقرق فيها الدموع… بل يخيل إليّ في بعض الأحيان أنها (معمصة) كعيون الأطفال بعد بكاء، أهذا هو سر نهيقه؟ ليس في صوت حيوان آخر مثل هذه الحرقة والتفجع والمرارة، إنها صرخة عذاب واستغاثة وإشهاد للناس فغي نوبة متفجرة من بكاء بلا دموع تمزق الهواء ثم تذوب كأنها لم تكن.
أحس بمكنون طبعه حين أراه وحده من سائر الحيوان يعلن عن شبقه بلا حياء، ويلاحق الأنثى في الطريق علنًا بإراداته، لا ينتظر حتى يساق ذلولًا إلى موعد غرام مرتب له من قبل.