حكايات الكونتيس دي سيجور 1 – 7
كان نابليون يزحف صوب موسكو، ومعه مليون من الرجال، يزحفون تحت وطأة ملابسهم الثقيلة، وقد انحنت ظهورهم تحت ثقل ما يحملونه من معدات، كانت الثلوج تلتصق بالنعال، وتجعل من الأقدام كتلاً متضخمة من الثلوج والأوحال، وأمام الزحف الإمبراطوري، كانت القرى تخلو من سكانها، وأكواخ الفلاحين تحترق، كان “النسر” يشعر بالبرد، وقد تناثرت الثقوب في كل جزء من معطفه المصنوع من لريش، مما جعل الهواء البارد ينفذ إلى جسمه، كما كانت الطبقات من الثلج تتراكم فوق “منقاره” الصامت المتجهم، أما رجال القيصر، فكانوا يتحركون ببطء ساحبين وراءهم الجيش العظيم إلى فخ الجليد، وفجأة صاح الحراس “ها هي موسكو، النصر أخيراً”، وحمل صفير الرياح الباردة معه، رنين هذه الكلمات المفعمة بالأمل.
وفي داخل موسكو، كان الناس يتدافعون، ينقلون أمتعتهم، ويعدون، ويصيحون، بينما كان أحد الجنرالات يعبر الميدان على صهوة جواده، ولكن الجماهير لم تكن تراه، ولم تعد ثيابه المزركشة لتثير اهتمامهم، وفجأة، أوقف الجنرال جواده أمام أحد الشبان وهو يقول: “ألق بتحيتك الأخيرة على موسكو، لن ينقضي نصف ساعة حتى تندلع فيها النيران”، وبعد بضع ساعات، كانت النيران قد اشتعلت في مبنى البورصة، ثم في كافة أرجاء المدينة، لقد سقط نابليون في الفخ.
لم يكن الرجل الذي نطق بتلك العبارة مخاطباً ولده سيرج، سوى الكونت فيدور روست وتشين، حاكم موسكو، كان رجلاً متين البنيان، ظهر الشحم بارزاً أسفل ذقنه، وتدل ملامحه على البراءة، وإن كانت عيناه تشع قبساً من السخرية، كانت النيران قد التهمت دارين له، بما فيهما من أثاث لا تقل قيمته عن نصف مليون روبل،