وجهات نظر متباينة في تفسير المرحلة الانتقالية قبيل مباحثات جنيف السورية
وجهات نظر متباينة في تفسير المرحلة الانتقالية قبيل مباحثات جنيف السورية
جنيف من سلن تميزر ومحمد شيخ يوسف: تباينت وجهات نظر الأطراف المشاركة في مفاوضات جنيف السورية، بشأن طبيعة الحكم الانتقالي ومسار المرحلة التي من المفترض أن تقود البلاد إلى بر الأمان والاستقرار.
المفاوضات التي انطلقت أمس الخميس بنسختها الرابعة تحت مظلة الأمم المتحدة بعد نحو عام من توقفها، وتنتظرها أجندة حافلة، في الوقت الذي تشهد العديد من المدن السورية انتهاكات لوقف إطلاق النار من قبل قوات النظام والميليشات الأجنبية المتحالفة معه.
المعارضة السورية بدعم من حلفائها وأبرزهم تركيا ترى ضرورة إرساء حكم انتقالي كامل الصلاحيات، إلا أن روسيا وإيران اللتين تدعمان نظام بشار الأسد، تلهثان وراء صيغة للتشارك في السلطة القائمة.
حراك ديبلوماسي محموم شهدته الساحة الدولية مؤخراً انتهى بدعوة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا الأطراف الفاعلة للقاء في جنيف، وفي مقدمهم وفدا النظام والمعارضة وممثلو تركيا، وروسيا، وإيران، والولايات المتحدة ودول أخرى.
وتم التأسيس لمسار جنيف حول سوريا في حزيران/ يونيو 2012، باجتماع أولي شاركت فيه الدول المعنية بالأزمة، ليصدر عنه لاحقاً «بيان جنيف 1» الذي دعا إلى تأمين وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات، على أن يعقب تلك الخطوات تأسيس هيئة حكم انتقالي من أسماء مقبولة من قبل النظام والمعارضة، تكون كاملة الصلاحيات، بمعنى أن لا يكون للأسد أي دور.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015، صدر القرار الأممي 2254 الذي يقضي بتأسيس هيئة حكم انتقالي بعد مفاوضات بين النظام والمعارضة، خلال ستة أشهر، تقوم بصياغة دستور جديد في 12 شهراً، ثم التوجه إلى انتخابات عادلة.
روسيا من جهتها دأبت على القدوم بأجندة تختلف عن خريطة الطريق التي وضعها مجلس الأمن، وحسب معلومات من أطراف متصلة مع ديبلوماسيين روس، فإن موسكو تسعى إلى نوع من «حكومة الوحدة الوطنية».
المعلومات ذاتها تشير إلى أن موسكو ترغب بضم بعض الأطراف المعارضة إلى نظام الأسد، وهي بذلك تجمد موضوع الحكم الانتقالي، وفي حال تحقق ما تصبو إليه، فإن الأسد سيحافظ على صلاحياته ويعزز مكانته.
وسبق أن سعت موسكو في مفاوضات أستانة (كانون الأول/يناير الماضي) إلى تغيير خريطة طريق الأمم المتحدة، بمحاولة تسليمها المعارضة مسودة دستور جديد صاغته بنفسها، متذرعة بأنها تريد تسريع المرحلة.
الموقف الإيراني حافظ على انسجامه مع الموقف الروسي الداعي لتقاسم الحكم مع الأسد، إذ ترغب طهران في تطبيق خطة من أربع نقاط اقترحتها في مارس /آذار 2014، وتشمل وقف إطلاق نار فورياً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وضمان حقوق الأقليات، وتنظيم انتخابات رئاسية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فإن موقفها لم يتضح بعد، بعد أكثر من شهر من انتقال السلطة إلى الرئيس الجديد دونالد ترامب، الذي لم يبين موقفه بشكل واضح حيال الأزمة السورية.
وتقول مصادر ديبلوماسية أن الاتصالات التي جرت خلال الأسبوعين الماضيين بين أنقرة وواشنطن تظهر أن الأخيرة «تصغي ولكن لا توضح موقفا معينا، وما زالت حتى اليوم تربط موقفها بمكافحة تنظيم (الدولة) «.
وعقب توليه الرئاسة رسميا في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من وزارة الدفاع تقديم خطة خلال 30 يوما من أجل قتال تنظيم «الدولة» الإرهابي، تشمل التجهيز والتدريب والتسليح.
ومن المنتظر أن يتضح موقف ترامب حول سوريا بعد صدور تقرير طالب الوزارة بإعداده عقب إنجاز الخطة.
ومقابل هذه المواقف، ذكرت مصادر دبلوماسية، أن الموقف التركي يشدد على احترام القرار الأممي 2254، ويرى أن أن «حكومة الوحدة الوطنية»، لن تستطيع أن تحل مكان «هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات».
وشددت المصادر على أن القرار الأممي 2254 يؤكد على أن السوريين أنفسهم هم من يعدون الدستور، وأن «الحكم الانتقالي» هو المكلف بهذا الأمر. وأضافت أن بعض التعابير الواردة في مسودة الدستور الروسي الذي حاولت موسكو تقديمه في اجتماع «أستانة – 1»، فتح المناقشات بشكل غير مباشر عن التقسيم، وحملت رسائل في هذا الإطار إلى منظمة «بي كا كا» الإرهابية وامتدادها السوري «ب ي د»، فضلا عن إطالة عمر النظام.
إلا أن موسكو عادت ووقعت على البيان الختامي للاجتماع والمؤكد على وحدة التراب السوري، وتزامن ذلك مع ضمانات أعطاها دي ميستورا لتركيا بعدم دعوة «ب ي د» لمحادثات جنيف الحالية.
وفي ما يتعلق بآمال المعارضة من هذه الجولة، فهي مجمعة على ضرورة أن تكون الأجندة الرئيسية لمحادثات جنيف هي الانتقال السياسي، فضلا عن مطالبتها بالتطبيق الكامل للقرار 2254، وتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
وفد المعارضة الذي كان مجتمعا في الرياض قبيل قدومه إلى جنيف، شدد على أن مسألة إعداد الدستور حسب القرار الأممي يجب أن تكون في مرحلة لاحقة (أي بعد تأسيس الحكم الانتقالي). وحسب مصادر في المعارضة، فإن وفدها يعتزم طرح تعزيز وقف إطلاق النار خلال مباحثات جنيف، في ظل استمرار خروقات النظام للاتفاق الذي أقر برعاية تركية روسية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
أيضا ستجدد المعارضة المطالبة بإنهاء الحصار عن المناطق المحاصرة، وفتح معابر للقوافل الإغاثية، وإطلاق سراح المعتقلين.
وفي الإطار، فإن روسيا والمبعوث الأممي دي ميستورا، يرغبان بضم بعض المقربين منها من منصتي موسكو والقاهرة إلى وفد المعارضة المشكل من قبل الهيئة العليا للمفاوضات، إلا أن الأخيرة ترى في ذلك خطوة لتمييع جبهة المعارضة.
أما النظام فلا يزال يرى المعارضة «إرهابية»، وهو المسوغ الذي تسوقه أيضا الميليشيات الأجنبية الإرهابية المتحالفة معه والمدعومة من إيران لمهاجمة مواقع المعارضة في دمشق ومحيطها، رغم ما طرح من تعزيز وقف إطلاق النار في اجتماع أستانة الأول (الشهر الماضي).
ومنذ انتهاء اجتماع أستانة الثاني في 16 فبراير/شباط الجاري، تتعرض مناطق في شرقي دمشق مثل القابون وبرزة، وحي الوعر بحمص إلى هجوم مكثف من قبل النظام، والميليشيات الداعمة له في مسعى لجر المعارضة إلى مواجهات مباشرة مجدداً بهدف إبعادها عن طاولة المفاوضات.
مصادر أممية أشارت إلى أن دي ميستورا يسعى لإيجاد صيغة مشتركة توفق بين مطالب روسيا وإيران ومقتضيات القرار الأممي 2254 ليطرحها للنقاش مع الأطراف.
وأفادت المصادر أن دي ميستورا يعمل حالياً مع 3 لجان بشكل متزامن تتناول الحكم الانتقالي، وإعداد الدستور، والانتخابات، إلا أنه بذلك يخالف القرار الأممي القاضي بصياغة الدستور من قبل هيئة الحكم الانتقالي.
(الأناضول)
Share on Facebook