كاكا، ضيوف، فيرون، المساكني: وصفة لقرار انتقال يقضي على مستقبلك
صار سوق انتقالات اللاعبين جزءًا مهمًّا للغاية في لعبة كرة القدم، فبمجرد انتهاء الموسم الكروي يقدم كل مدرب تقريرًا بأسماء لاعبين يحتاجهم الفريق لسد الثغرات أو للمنافسة على البطولة، أو ربما للبقاء في الدوريات الكبرى وتفادي الهبوط. لا يوجد فريق كرة قدم يُستثنَى من لعبة الانتقالات، حتى رغم ضعف الإمكانيات.
وإذا كان لكل مدرب تقرير بأسماء اللاعبين المطلوب انتدابهم، فالجماهير كما هي العادة طموحها أكبر، وطلباتها ربما تكون غير واقعية.
صفقات ترضخ لها الإدارات لترضي الجماهير، وصفقات يطلبها المدرب لتنفيذ رؤيته، وصفقات تٌبرمها الإدارات للاستفادة المالية في ما بعد، عالم موازٍ خلق لنفسه تفاصيل وأحداثًا وأخبارًا، أسماء مثل « مينو رايولا» و« ميسلنتات » و« سانيلهي » و« دي مارزيو » أصبحت معروفة ومهمة في كرة القدم.
الأثر الفني المفترَض للصفقة غير مضمون بالمرة، فالعوامل المؤثرة في نجاح لاعب كرة القدم في فريق ما لا تتسم بالثبات والمنطق دائمًا، ويبقى سوق الانتقالات أشبه بمغامرة غير مأمونة النتائج، حتى مع أسماء تُصنَّف من عظماء اللعبة في عصرهم. فكم من لاعب لمع نجمه ثم انطفأ بانتقاله إلى فريق مختلف، وكم من شاب توقع له العالم أن يكون ماراداونا الجديد، لكن تكتيكات فريقه الجديد قضت عليه.
ليفربول: ربما لهذا يعشقون صلاح تاريخ فريق ليفربول الإنجليزي ينقسم قسمين، قبل تولي السير «أليكس فيرغسون» تدريب الغريم مانشستر يونايتد، وبعد قدوم الإسكتلندي العجوز.
تلك حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد، فقبل وصول السير كان ليفربول زعيم إنجلترا الأوحد، لكنه لم يستطع الفوز بالدوري في وجود فيرغسون سوى مرتين فقط، آخرهما عام 1990.
يصبح الأمر أكثر صعوبة عندما يكون الفريق بحجم ليفربول ببطولاته وعراقته، فالجماهير تطالب سنويًّا بانتداب لاعبين على مستوى المنافسة والإدارة، وبالطبع عليها أن تحاول تدارك الموقف والعودة إلى منصات التتويج وتلبية رغبات الجمهور، ما يُنتج كمًّا هائلًا من الصفقات الفاشلة.
مثلًا، كان منتخب السنغال حديث كأس العالم 2002، بعد أن فاز على فرنسا حامل اللقب في المباراة الافتتاحية، وخطف منه بطاقة التأهل إلى الدور التالي، وكان أبرز لاعبي الفريق «الحاج ضيوف».
مقابل 10 ملايين دولار، انتدب ليفربول اللاعب من نيس الفرنسي، لكن مردود السنغالي صاحب المزاج السيئ دائمًا كان مخيبًا لكل التوقعات، فخلال الموسم الأول أحرز ستة أهداف فقط، أما موسمه الثاني والأخير، فقد شارك ضيوف في 33 مباراة مع ليفربول دون أن يحرز أي أهداف، واكتفي بكثير من الشغب.
عانى ليفربول من التفكير المشوش وغير المنطقي في سوق الانتقالات، ما أثر كثيرًا في مسيرته.
يحكي «ستيفن جيرارد»، أسطورة ليفربول، أنه في موسمه الأخير مع الفريق قبل الاعتزال « تقدم نحوي مدرب الفريق برندن رودجرز، ثم قال: لقد أضعنا فرصتين للتعاقد مع لاعبين، لم يبقَ لي خيار سوى التوقيع مع أحد اللاعبين على سبيل المقامرة، هذه المقامرة هي التعاقد مع بالوتيللي».
لم يتعلم ليفربول من درس المشاغب ضيوف فتعاقد مع مشاغب آخر هو «ماريو بالوتيللي» في موسم 2014-2015، موهبة إيطاليا السمراء، صاحب الإمكانيات الكبيرة التي تصاحبها مسيرة من الشغب والاستهتار. كانت مقامرة خاسرة بالطبع، فالمهاجم القادم من ميلان لعب 16 مباراة، ولم يحرز سوى هدف وحيد.
القائمة تطول في نادي ليفربول، فهناك البلجيكي «كريستيان بينتيكي»، الذي دفع ليفربول 32 مليون جنيه إسترليني لأستون فيلا للحصول على خدماته، لكنه أحرز 10 أهداف فقط خلال 42 مباراة في موسمه الوحيد عام 2015.
أما «آندي كارول»، الصفقة التي كلفت خزينة ليفربول 35 مليون إسترليني كأغلى صفقة في تاريخه وقتها، فكانت أكثر الصفقات فشلًا طبقًا للمبلغ المدفوع، فاللاعب الإنجليزي الذي عانى كثيرًا من الإصابات لم يحرز إلا ستة أهداف فقط خلال ثلاث سنوات قضاها في ملعب «الأنفيلد».
عانى ليفربول كثيرًا من التفكير المشوش وغير المنطقي في سوق الانتقالات، ما أثر كثيرًا في مسيرته، ربما لهذا يتغنى جمهوره بالمصري محمد صلاح صاحب الأداء الاستثنائي في موسمه الأول، إلا أن الفارق الأكبر هنا يكمن في المدرب، فمديره الفني «يورغن كلوب» أعلن أنه أرسل من يتابع صلاح خلال مبارياته مع فريقه القديم روما في الدوري الإيطالي، للتأكد من ملائمة اللاعب لظروف الدوري الإنجليزي، كي يوضح الفارق بين شراء لاعب تنادي به الجماهير ولاعب يفيد الفريق بالفعل.
قد يهمك أيضًا: هكذا بدأت حكاية انتقال كوتينيو إلى برشلونة
كاكا وفيرون وتوريس: أسماء كبيرة ومردود ضعيف في سوق الانتقالات، هناك أسماء يكفي ذكرها ليتخيل الناس أن الصفقة ستكون ناجحة على الفور، دون النظر إلى طريقة أداء اللاعب واختلافها مع طريقة الفريق الذي ينتقل إليه، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة بالطبع.
«ريكاردو كاكا»، البرازيلي الرشيق الذي يراه كثير من الجماهير أفضل لاعبي جيله في خط الوسط، صاحب آخر «بالون دور» قبل أن يسيطر الثنائي «ميسي» و«رونالدو» على جائزة أفضل لاعبي العالم.
تألق كاكا بصورة ملفتة في ميلان الإيطالي وأحرز كل الألقاب المتاحة، فاقترن اسمه في سوق الانتقالات سنويًّا بأندية في حجم تشيلسي ومانشستر سيتي، إلا أنه فضَّل أن ينتقل إلى ريال مدريد ليلعب تحت إمرة البرتغالي «جوزيه مورينيو»، لكن ما ظهر من كاكا في ريال مدريد كان صورة باهتة تمامًا من البرازيلي، خلال ثلاث سنوات حفلت بالإصابات والظهور القليل والسيئ، لينتهي اللاعب تمامًا من الساحة الكروية.
كاكا هو التجسيد الحي لفكرة عدم تناسق طبيعة اللاعب مع طبيعة الفريق، فكاكا ميلان كان يتمتع بحرية اللعب في خط الوسط، ما يتيح له خلق كَمٍّ هائلٍ من الفرص للمهاجمين. اكتسب ريكاردو تلك الحرية في الملعب بفضل وجود خط وسط قوي من خلفه قادر على استعادة الكرة، به لاعبون بحجم «غاتوزو» و«سيدورف»، وهو ما لم يتوفر في خطة مورينيو بالطبع، التي تتطلب لاعبي خط الوسط بإمكانيات بدنية جيدة وارتداد كامل للدفاع.
لم يكن خطأ كاكا، بل وجوده في المكان غير المناسب كان الخطأ: « لا أعتقد أن عدم مشاركتي بكثرة خطأ مورينيو ، حاولت أن أكتسب ثقته على مر السنين، لكنه كان يملك أفكارًا أخرى تمامًا».
أكبر صفقة في إنجلترا عام 2000 كانت انتقال «فيرون» لمانشستر يونايتد، إلا إنه لم يستطع أن يجاري وتيرة اللعب الإنجليزي.
القائمة تطول أيضًا بصدد اللاعبين الكبار أصحاب المردود الضعيف مع أنديتهم الجديدة.
فهناك الإسباني «فرناندو توريس»، الذي انتقل من ليفربول إلى تشيلسي عام 2011 مقابل 50 مليون جنيه إسترليني ليكون أغلى صفقة في إنجلترا آنذاك، فتوريس كان هدافًا صاحب أداء ثابت، تسعى كل فرق المقدمة للتعاقد معه.
«النينو»، كما يُلقب، كان الأفضل في إنجلترا حين وصل إلى ليفربول، واستطاع في موسمه الأول عام 2007 أن يحرز 24 هدفًا في الدوري، ليصبح أول لاعبي الفريق تخطيًا لحاجز 20 هدفًا في الموسم منذ «روبي فاولر» في 1996، ويحل ثالثًا في سباق أفضل لاعب في العالم عام 2008.
رغم تناقص المعدل التهديفي للإسباني في المواسم التالية مع ليفربول، فإنه ظل خيارًا مضمونًا لمركز المهاجم الذي كان يعاني ندرة نسبية في ذلك التوقيت، ما أجبر «رومان أبراموفيتش»، مالك تشيلسي، على دفع هذا المبلغ الضخم لانتدابه.
كانت النتيجة مروعة، فاللاعب ظهر بصورة مغايرة تمامًا لما كان عليه في ليفربول ومن قبله أتلتيكو مدريد. أداء مهتز، كثير من الفرص المهدرة جعلته هدف مواقع التواصل الاجتماعي بغرض السخرية، فتحول من المهاجم الأول في العالم إلى لاعب لا يمثل خطورة على مرمى المنافسين.
تضم القائمة لاعبًا آخر انتقل إلى تشيلسي أيضًا: «أندريه شيفتشينكو»، المهاجم الأوكراني صاحب السجل التهديفي الممتاز مع ميلان، الذي توقع الجميع استمرار توهجه مع النادي اللندني، وهو ما لم يحدث خلال موسمين قضاهما شيفتشينكو مع تشيلسي.
عاد اللاعب إلى ميلان على سبيل الإعارة، ثم انتهى به المطاف في ناديه الأوكراني القديم دينامو كييف، تمامًا مثلما حدث مع توريس الذي عاد إلى أتلتيكو دون فاعلية تذكر.
أما أكبر صفقة في إنجلترا عام 2000 فكانت من نصيب مانشستر يونايتد، الذي انتدب الأرجنتيني «خوان فيرون» من لاتسيو الإيطالي مقابل 28 مليون جنيه إسترليني، ووقتها كان فيرون واحدًا من أفضل لاعبي العالم، إلا أنه، رغم قدراته البدنية المعروفة، لم يستطع أن يجاري وتيرة اللعب الإنجليزي، وهو ما اكتشفه الغريم تشيلسي حين اشتراه من مانشستر.
هناك أيضًا لاعب يبرز كصفقة دائمة لفرق المقدمة دون نجاح ملحوظ، الفرنسي «نيكولاس أنيلكا»، الذي لعب لأندية باريس سان جيرمان وأرسنال وريال مدريد وليفربول ومانشستر سيتي وتشيلسي ويوفنتوس، وكلها أندية قوية، لكنه صار صفقة معتادة في سوق الانتقالات دون مردود يناسب أسماء تلك الأندية.
تشمل القائمة «دينلسون» و«روبينيو» و«دي ماريا»، وكثيرين غيرهم برهنوا على أن سوق الانتقالات غير مضمون بالمرة، وأن اسم اللاعب وحده لا يكفي.
عندما يصبح الاستمرار مستحيلًا توهُّج التونسي يوسف المساكني وصل إلى أوروبا، لكن تدخُّل نادي لخويا القطري بعرض مليوني حسم الأمر تمامًا، ليفقد المساكني فرصة التطور في دوريات أقوى.
كثير من التوهج قد يجبر اللاعب على الانتقال إلى فريق أكبر، دون النظر إلى فكرة هل يلائم النادي الجديد إمكانياته أم لا، فاللاعب يجد نفسه فجأة أكبر من ناديه، سواءً بعد العروض المقدمة إليه أو بعد الهالة التي تحيطه إعلاميًّا وجماهيريًّا، ويصبح من المستحيل أن يستمر في ناديه، فينتقل ويفاجأ بأنه أصغر مما كان يعتقد.
رمضان صبحي مثال جيد، فالناشئ المصري الذي توقع الإعلام والجمهور أنه سيحتل الملاعب الإنجليزية بعد موسمين رائعين مع الأهلي، انتقل إلى ستوك سيتي الإنجليزي ليفاجأ بأسلوب لعب ومجهود بدني مختلف، منعه من المشاركة بصورة مستمرة مع الفريق.
قد يعجبك أيضًا: رمضان صبحي.. حين يخدعك الجمهور
الأموال أيضًا تجعل رفض الانتقال مستحيلًا، فأمام إغراء المال يرضخ كثيرون، ما يفسر صفقة التونسي يوسف المساكني.
توهج اللاعب في صفوف فريق الترجي التونسي ووصلت إليه عروض من أندية أوروبية، منها مونبيلييه الفرنسي، لكن تدخُّل نادي لخويا القطري بعرض يقدر ب15 مليون دولار مقسمة بين اللاعب وناديه، كأغلى صفقة انتقال عربية، حسم الأمر تمامًا، ليفقد المساكني فرصة التطور في الدوريات الأوروبية الأقوى، ويكتفي بممارسة الكرة في قطر.
«الغلاكتيكوس» فكرة لا تموت «الغلاكتيكوس» تعبير إسباني للدلالة على الشخص العملاق، وبمعنى آخر: أكبر من كونه نجمًا.
ظهر التعبير في ساحة كرة القدم لوصف اقتناء أفضل لاعبي الكرة في فترة معينة، وهو ما بدأه «فلورنتينو بيريز» رئيس ريال مدريد، حين كوَّن فريقًا يعج بالنجوم، فواتتنا الفرصة لمشاهدة لاعبين مثل «زين الدين زيدان» و«ديفيد بيكهام» و«لويس فيغو» و«رونالدو» الظاهرة و«روبرتو كارلوس» و«مايكل أوين» يزاملون بعضهم بعضًا بقميص واحد.
أثبت هذا فشله، فبيريز انتدب كل هؤلاء لأسباب تسويقية أكثر منها فنية، وترك الفريق بأسماء دفاعية أقل شأنًا، وكثير من تضارب الأدوار على أرض الملعب. بمرور الوقت أثبتت الفكرة فشلها، وانضمت أسماء بحجم أوين وبيكهام إلى قائمة الصفقات الفاشلة، بالنظر إلى أدائهم مع فرقهم السابقة.
لن يتوقف سوق الانتقالات عن الجنون عامًا تلو الآخر، لكن مع الوقت صار لدى الجماهير من الحَدَس ما يجعلها لا تتوقع كثيرًا من اللاعبين، لكن هاجس الانتدابات لا يزال مستمرًّا مع المدربين وكشافي اللاعبين والمديرين الرياضيين، فالمهم أن ينتقل شخص ما إلى فريق ما مقابل مبلغ ما، ويرفض «فريقًا ما» آخر، لتستمر اللعبة بآمالها ومتعتها، وكذلك بإحباطاتها وأسمائها الكبيرة الفاشلة.