قصة جحا والحمار وابنه
كان ياما كان، في قديم الزمان، وسالِف العصر والأوان، كان هناك رجل اسمُه جُحا، كان رجلًا خفيف الظلّ، يقع في مواقف طريفة بعض الشّيء، مشهورٌ بحماره الذي كان يجرّه معه من مكان إلى آخر، ومن القصص الطريفة التي حدثت معه كانت قصته المشهورة باسم قصة جحا والحمار وابنه، وسترويها هذه السّطور القادمة.
كان جحا ذات يوم يسيرُ مع ابنه يريدان أن يسافرا إلى بلاد بعيدة، وكانت وسيلة التنقّل في ذلك الوقت الحمار أو الحصان، فالغنيّ يشتري حصانًا، وقليل المال يشتري حمارًا، وجحا لم يكن من الأغنياء، فقرّر أن يشتري حمارًا يساعده هو وابنه في سفرهما، فاشترى جحا حمارًا وركب عليه هو وابنه، وبعد مسير قليل دخلا قرية، فقال أهلها: يا لهما من عديمَي رحمة، يركبان على الحمار معًا من دون رأفة بحال هذا الحمار المسكين! وعندما سمع جحا هذا الكلام قرّر أن يركبا الحمار هو وابنه بالتّناوب، فكان دور جحا أوّلًا، فركب ونزل ابنه يقود الحمار، فدخلا قرية أخرى، وعندما شاهدوا جحا يركب الحمار وابنه يسير على قدميه قالوا: ياله من أب ظالم، يركب هو ويترك ابنه يُنهكه التّعب! فنزل جحا وترك ابنه يركب، وبعد مسير قليل دخلا قرية ثالثة، وعندما شاهد أهلها الابن يركب على الحمار، والأب يسير على قدميه قالوا: ياله من ابن عاقّ، يركب هو ويترك أباه يسير على قدميه!
عندها نزل الابن والأب عن الحمار، وقاداه ومَشَيا على قدميْهما، ودخلا قرية جديدة، فقال أهلها: يا لهما من أحمقين! ولماذا اشتريا الحمار أصلًا إن كانا يريدان أن يمشيَا ويتركا الحمار يسير خاليًا! وبعد أن سمع جحا هذا الكلام جنّ جنونه، وقرّر أن يبيع الحمار، وباعه وأكملا طريق السّفر وحيدين!
والعبرة من هذه القصّة أنّ الإنسانَ عليه ألّا يُعير كلام النّاس اهتمامًا بالغًا كما فعل جحا في قصة جحا والحمار وابنه، فالنّاس مُتعدّدو الآراء والأذواق، وإذا أراد الواحد أن يرضي النّاس فإنّه سيتعب ويصيبه الإرهاق، فالأمر الذي قد يُعجب بعض النّاس قد لا يعجب بعضهم الآخر، وإذا أراد الإنسان أن يرضيَ جميع النّاس فإنّه سيخفق لا محالة، وسيكون الخاسر الوحيد في هذه الحال، ولكنْ على الإنسان أن يفعل ما يراه صحيحًا، ومعيار الصحّة هنا هو موافقة الشّرع والدين، والإمام الصحابيّ عبد اللّٰه بن مسعود قد قال فيما مضى: “الجماعة ما وافق الحقّ ولو كنت وحدَك”، وهذه العبرة المستخلصة من قصة جحا والحمار وابنه.