لماذا النحاس موصل فائق مثالي
ملاحظة انتشار تقلبات «موجات كثيفة الشحنات» في أكاسيد النحاس فائقة التوصيل للمرة الأولى.
اكتشف فريق دولي بقيادة علماء من قسم الطاقة في مختبر المسرع الوطني وجامعة ستانفورد (سلاس) ميزات جديدة في سلوك الإلكترونيات في مادة أكسيد النحاس التي قد تساعد على تفسير لماذا يمكن للنحاس أن يكون موصل كهربائي مثالي- موصل فائق- في درجات حرارة عالية نسبيًا.
وباستخدام جهاز للأشعة السينية ذات دقة عالية في فرنسا، كشف الباحثون للمرة الأولى سلوكيات ديناميكية ل( موجة كثيفة الشحنات) للمادة (CDW)- وهو نمط من الإلكترونات يتخذ شكل الموجة الراكدة- ما يجعلها تلعب دورًا في الموصلية الفائقة عالية الحرارة.
*المترجم: موجة كثيفة الشحنات (سدو-CDW): هو نظام وعر أو لزج تتجمع الإلكترونات السائلة في مركب سلسلة خطية أو بلورة مكونة من طبقات. الإلكترونات داخل (سدو) تخلق نمط موجة دائم – راكد- ويمكنها في بعض الأحيان أن تحمل تيارًا كهربائي. المصدر: ويكيبيديا.
وأظهرت البيانات الّتي تمّ تجميعها في درجات حرارة منخفضة (20 كلفن) وعالية (240 كلفن) إنه مع زيادة درجة الحرارة، تصبج ال(سدو) أكثر انسجامًا مع التركيب الذري للمادة. ومن الملحوظ أنه في درجة الحرارة المنخفضة، تؤدي (سدو) أيضًا إلى زيادة غير عادية في شدة الاهتزازات في الشبكة الذرية للأكسيد، ما يشير إلى أنّ سلوكيات (سدو) الديناميكية يمكن أن تنتشر من خلال الشبكة الذرية.
وقد أظهرت الأبحاث السابقة أنّه عندما تكون (سدو) ثابتة، فإنها تتنافس ومن ثمّ تقل التوصيلية الفائقة، يقول الباحث المشارك «وي شنغ لي»- باحث في عالم سلاك ومحقق في معهد ستانفورد للمواد وعلوم الطاقة (سيمس)، الّذي قاد دراسة نشرت في دورية نيتشر فيزيكس: «إذا، من ناحية أخرى، (سدو) ليست ثابتة ولكن متقلبة، تقول لنا النظرية أنها قد تساعد في تشكيل الموصلية الفائقة- عقودٌ طويلةٌ من البحث عن تفسير، والنتيجة الجديدة هي أحدث الأبحاث التي أجراها باحثون في جميع أنحاء العالم منذ عقود للعوامل الّتي تمكّن بعض المواد من أن تصبح فائقة التوصيل عند درجات حرارة عالية نسبيًا.
ومنذ الخمسينيات، عرف العلماء كيف تصبح بعض المعادن والسبائك البسيطة فائقة التوصيل عندما تكون مبردة إلى درجة قليلة قريبة الصفر المطلق: إذ أنّ إلكتروناتها تزدهر وتركب موجات من الذبذبات الذرية التي تتصرف مثل الغراء الظاهري لعقد الأزواج معًا. فوق درجة حرارة معينة، ومع ذلك، يفشل هذا الغراء مع زيادة الاهتزازات الحرارية، أزواج الإلكترون تنقسم وتختفي الموصلية الفائقة.
في عام 1986، تم العثور على مواد أكسيد النحاس المعقدة لتصبح فائقة التوصيل في درجات حرارة أعلى بكثير- على الرغم من كونها لا تزال باردة-. وكان هذا الاكتشاف غير متوقع تسبب في ضجة علمية في جميع أنحاء العالم. من خلال فهم وتحسين كيفية عمل هذه المواد، يأمل الباحثون لتطوير الموصلات الفائقة التي تعمل في درجة حرارة الغرفة وحتى درجات حرارة أعلى.
في البداية، استطاع الغراء حمل أزواج الإلكترون فائقة التوصيل معًا في درجات حرارة أعلى، بدا الأمر وكأنه بسبب الاستثارة المغناطيسية القوية التي أنشأتها التفاعلات بين الإلكترونات التي تدور. ولكن في عام 2014، خلصت المحاكاة النظرية والتجارب التي قادها باحثو «سيمس» إلى أن هذه التفاعلات المغناطيسية عالية الطاقة ليست العامل الوحيد في الموصلية الفائقة لأوكسيد النحاس عالية الحرارة. ويبدو أيضًا أنّ الوجود غير المتوقع ل(سدو) بدا حاسمًا.
واصلت نتائج سيمس الربط بين التجربة والنظرية. وبناء على النظريات السابقة لكيفية اكتشاف تفاعلات الإلكترون مع الاهتزازات الدقيقة مع نثر الأشعة السينية غير المرنة أو «ريكس- RIXS ». تمّ تحديد توقيع ديناميات (سدو) أخيرًا، وتوفير دعم إضافي لدور (سدو) في تحديد الهيكل الإلكتروني في أكاسيد النحاس فائقة التوصيل . الأداة الجديدة الأساسية: ريكس وتمكن النتائج الجديدة من تطوير أدوات أكثر قدرة تستخدم ريكس.
قد أصبح نظام ريكس متاحًا الآن عند درجة عالية من الدقة في مرفق الإشعاع السنكروتروني الأوروبي «إسرف- ESRF» في فرنسا، حيث أجرى الفريق هذه التجربة، وسيكون ريكس أداة هامة لتطوير «سلاك- SLAC » ل(ليزر المسرع الخطي مصدر الضوء المتماسك للأشعة السينية الخالية من الإلكترونات، «لكلس-2- LCLS-II » ومن شأن الجمع بين دقة الطاقة العالية جدا ومعدل تكرار النبض العالي في (لكلس-2 ) تمكن الباحثين من رؤية تقلبات أكثر تفصيلًا في (سدو) وإجراء تجارب تهدف إلى الكشف عن تفاصيل إضافية لسلوكها وارتباطها بموصلية فائقة عالية الحرارة. الأهم من ذلك، فإن الباحثين في (لكلس-2) سيصبح لمقدورهم استخدام التفاعلات فائقة السرعة للمادة الخفيفة للسيطرة على تقلبات (سدو) ثم أخذ لقطات فيمتو ثانية لها.
ريكس يحتوي على كيفية إلقاء الضوء على عينة باستخدام الأشعة السينية التي لديها ما يكفي من الطاقة لإثارة بعض الإلكترونات في عمق الذرات المستهدفة للانتقال إلى مدار أعلى محدد. وعندما تسترجع الإلكترونات مرة أخرى مواقعها السابق، ينبعث جزء صغير منها من الأشعة السينية الّتي تحمل معلومات قيمة ذات قيمة ذرية عن التكوين الإلكتروني والمغناطيسي للمادة الذي يعتقد أنها مهمة في الموصلية الفائقة لدرجات الحرارة العالية.
يقول لي: «حتى الان لم تشهد أيّ تقنية أخرى أدلة على نشر ديناميات سدو».
وقد ظهرت تقنية ريكس لأول مرة في منتصف السبعينيات، لكن لم يتم الحصول على معلومات مفيدة لمعالجة المشاكل الرئيسية حتى عام 2007، حينما قام جياكومو غرينهيلي، لوسيو برايكوفيتش في ميلان بوليتكنيك في إيطاليا وزملاؤه في السويسري بتغيير جوهري في مصدر الضوء التي حسنت جودة الطاقة إلى مستوى أصبحت تفاصيل هامة واضحة- من الناحية الفنية إلى حوالي 120 ملي إليكترونفولتس (meV) في الطول الموجي للأشعة السينية، وهو ما يسمى حافة النحاس L. أداة ريكس الجديدة في (إسرف)أفضل ثلاث مرات، روتينيا التوصل إلى نقاء الطاقة وصولًا الى 40 ميلي إلكتور فولت. منذ عام 2014، تعاونت مجموعة ميلانو مع علماء (سلاك) وستانفورد في أبحاث (ريكس).
يقول لي: «إن تقنية (ريكس) فائقة الجودة تصنع فارقًا كبيرًا«. وأضاف «يمكن أن تظهر لنا تفاصيل غير مرئية سابقًا».